غاية الفرق بين هاتين الحيثيّتين الجامعتين فيه أنّ الحيثيّة الاولى تثبت له في لحاظ الخارج لأنّ وجوده الخارجي هو العلّة لوجود معلوله في الخارج ، والحيثيّة الثانية تثبت له في لحاظ الذهن بعد أخذه جزءا للقضيّتين المعقولتين المذكورتين في الذهن ، لأنّ معلوله من هذه الحيثيّة أمر ذهني وهو العلم فلا يؤثّر فيه إلاّ وجوده الذهني ، ويشاركه في هذا المعنى من تلك الحيثيّة ما يقابله المعبّر عنه بالمعرّف والواسطة في الاثبات ، ضرورة أنّ المعرفة الحاصلة به أمر ذهني فلا يؤثّر فيها إلاّ الموجود الذهني ، فإذا كان المعرّف بالقياس إلى المعرفة والانكشاف علّة واقعيّة فلا فرق بينه وبين السبب الواقعي الّذي هو واسطة في الثبوت في شيء من الأحكام.
فحينئذ نقول : إذا تصادف المسبّبان الواقعيّان محلاّ واحدا فإمّا أن يكون ذلك على سبيل الدفعة والمعيّة أو يكون على سبيل التعاقب والتدريج.
وعلى الثاني فإمّا أن يكون مصادفة العلّة المتأخّرة قبل فراغ المحلّ عن العلّة الاولى أو بعد فراغه عنها بأن تحصل فيه بعد ارتفاع العلّة الاولى الشاغلة له.
وعلى الثاني فإمّا أن يصادفه العلّة المتأخّرة حال بقاء الأثر الحاصل من العلّة الاولى أو تصادفه بعد زوال ذلك الأثر.
فهذه صور أربع يختلف الحكم فيها بالقياس إلى استناد الأثر اليهما معا على سبيل الشركة أو إلى أحدهما فقط أو إلى كلّ منهما على سبيل الاستقلال.
ففي الصورة الاولى لا بدّ من الحكم باستناده إليهما معا على سبيل الشركة لئلاّ يلزم الترجيح من غير مرجّح.
وفي الصورة الثانية لا مجال إلى الحكم بمدخليّة العلّة الثانية في التأثير أصلا ، إذ المفروض أنّ العلّة الاولى كانت تماما في العليّة وقد أثّرت في حصول الأثر.
ومن البيّن أنّ الحاصل لا يحصل ثانيا حال حصوله أوّلا.
فالعلّة الثانية إنّما صادفت محلاّ غير قابل للتأثير ، فظاهر أنّ قابليّة المحلّ من شرائط التأثير.
فهذه العلّة حينئذ ليست علّة تامّة لفقد بعض شرائط علّيتها ولا سببا فعليّا لانتفاء بعض شروط تأثيره الفعلي.
وكذا الكلام في الصورة الثالثة بالإضافة إلى الأثر الموجود فلا يؤثّر فيه العلّة الثانية أصلا ، لاقتضاء تأثيرها محلاّ فارغا عن الشاغل خاليا عن الأثر السابق المفروض انتفاء