صورة ذهنيّة كلّها منطبقة على موجود ذهني واحد ، كالسواد المنتزع من جميع أفراده.
ولذا ترى أنّه يبطل دليل واحد ممّا استدلّ عليه بأدلّة كثيرة ولا يبطل المدلول بل هو بعينه باق على ما كان.
فيستفاد من كلّ معرّف موجود ذهني ويتطابق جميع تلك الموجودات ويتّحد في الذهن ، وهذا هو المراد من اجتماع المعرّفات على أمر واحد ، وظاهر أنّ هذا أمر جائز ولا كلام في ذلك الجواز.
وإنّما الكلام في أنّ الأصل فيه التداخل أو عدمه ، وهذا الكلام يختصّ بالأسباب الشرعيّة الّتي هي محطّ كلام الفقيه ومجرى الأصل دون غيرها » انتهى كلامه أعلى الله مقامه (١).
أقول : الفرق بين السبب الواقعي والسبب المعرّف أنّ الأوّل عبارة عمّا يكون واسطة لثبوت الشيء ووجوده كحركة اليد وملاقاة الماء محلاّ يابسا وملاصقة النار الخشبة في كونها وسائط لحركة المفتاح مثلا تبلّل المحلّ والدخان ، ولازمه أن يكون الاستدلال به على ما هو أثر له مترتّب عليه من باب اللمّ.
والثاني عبارة عمّا يكون واسطة للعلم بوجود الشيء وثبوته ، وقد تسمّى بالواسطة في التصديق والواسطة في الإثبات أيضا ، كحركة المفتاح وبلّة المحلّ الملاقي للماء والدخان لمن لا يحسّ حركة اليد ولا الماء ولا النار ، فإنّها وسائط للعلم بوجود حركة اليد ووجود الماء ووجود النار وكواشف عنها.
وقضيّة ذلك أن يكون الاستدلال بها على وجوداتها من باب الإنّ ، فمعنى كون الشيء سببا حقيقيّا كونه مؤثّرا في الوجود وإن كان له تأثيرا في العلم بالوجود أيضا من باب الاستدلال اللمّي ، ومعنى كونه معرّفا كونه مؤثّرا في العلم بالوجود فقط ، وتأثيره في العلم عبارة عن التعريف والكشف ، وظاهر أنّ هذه الحيثيّة إنّما تلاحظ في المعرّف بالقياس إلى المعرّف والمعلوم ، بمعنى أنّه معرّف بالقياس إلى ما يعرّفه ويوجب العلم به وإلاّ فهو بالإضافة إلى نفس المعرفة والعلم علّة واقعيّة وسبب حقيقي ، كما أنّ الواسطة في الوجود بالإضافة إلى العلم بوجود ما يوجد بها علّة واقعيّة وسبب حقيقي ، فإنّه من حيث تأثيره في وجود ما يوجد به واسطة في الثبوت والوجود ومن حيث تأثيره في العلم بالوجود معرّف وواسطة في الإثبات والتصديق.
__________________
(١) عوائد الأيّام : ١٠٠.