ولو قيل : بأنّ الكلام إنّما هو في الملازمة نفيا واثباتا لا غير ، وما تجده من اختلاف أدلّتهم يكشف عن اختلافهم في دعوى تلك الملازمة ، فإنّ منهم من يدّعيها لفظيّة حاصلة عن أدلّة الأسباب.
ومنهم من يدّعيها عقليّة ناشئة عمّا يأتي من البرهان العقلي.
ومنهم من يدّعيها شرعيّة كما يفصح عنه استدلال بعضهم باتّفاق الفقهاء على عدم التداخل ، وباستقراء الشرعيّات في أبواب العبادات والمعاملات القاضي بأنّ المدار فيها من الطهارات إلى الديات على تعدّد المسبّبات إذا تعدّد أسبابها ، لكان جيّدا وعليه كان أليق بمباحث المبادئ ، وإنّما تعرّض لذكره أهل الاصول لما فيه من مناسبة مّا بمباحث فنّهم من جهة ما طرئته من الجهة الكليّة المطّردة في مقامات كثيرة غير محصورة.
وبالجملة فهو في حدّ ذاته مسألة مهمّة يتبعها فروع متكثّرة في جميع أبواب الفقه من الطهارات إلى الديات كما لا يخفى على المتتبّع ، ومن أجل ذلك جاء الالتزام بالاهتمام فيها بصحيح النظر في أدلّتها المقامة عن الطرفين. وتمام الغور في أطرافها واستفراغ الوسع في حقيقة حالها.
فقبل الخوض في تقرير الأدلّة على المختار وجرح الأدلّة الناهضة فيها على النفي والاثبات وتعديلها ينبغي الإشارة إلى امور لها مزيد دخل في زيادة البصيرة على شقوق المسألة وأطرافها.
الأمر الأوّل : لا يذهب عليك أنّ تداخل الأسباب لا يراد به دخول بعض في البعض
بحسب الوجود الخارجي حتّى صار الجميع في وجودها في الخارج أمرا واحدا فإنّه غير معقول ، بل عدم جوازه عقلا ممّا لا يقبل الخلاف ، بل إنّما يراد به تداخلها في السببيّة بمعنى تواردها على مسبّب واحد واتّحاد ما يترتّب عليها من الأثر.
وبعبارة اخرى : اجتماعها على التأثير في أثر واحد.
وقد يقال : كان المناسب في المقام التعبير بتداخل المسبّبات ، لأنّ غرضهم في عنوان المسألة أنّه هل يكفي وضوء واحد فيما لو قال : « إذا نمت فتوضّأ » و « إذا بلت فتوضّأ » فنام وبال ، أو نام مرّة بعد اخرى ، وقد يعتذر للعدول عن ذلك إلى العنوان المشهور بكونه للتنبيه على وجه الحكم ، فإنّ عدم تداخل الأسباب هو السبب في عدم تداخل المسبّبات فصار التعبير به أنفع وأبلغ من جهة تضمّنه لعنوان المسألة مع التعرّض لبيان دليله إجمالا.