غاية الأمر أنّ الأوّل يفحص عن المعارض والثاني يفحص عن الدليل ، لاشتراط الفحص في العمل بكلّ من الأدلّة الغير العلميّة والاصول.
وأمّا ما ذكره بعض الفضلاء ففيه : أنّ نفي ظهور الفرق بين القولين فيما وافق الأصل لا يرجع إلى نفي حجّيّته ، حتّى يقابل بأنّ المفهوم الّذي نقول بحجّيّته لا فرق فيه بين أن يكون موافقا للأصل أو مخالفا له ، بل نفي ظهور ثمرة الفرق بين القولين على ما تقدّم من الجماعة ـ خصوصا عبارة السيّدين (١) ـ مبنيّ على فرض وجود القولين في الموافق للأصل أيضا بتوهّم اتّحاد النتيجة فيهما من حيث كونها من مقتضى الأصل ، وإن استند فيه القائل بالحجّيّة إلى دلالة الخطاب لا إلى الأصل.
وحينئذ لا يتعلّق به الإيراد عليه بأنّ المفهوم الّذي نقول بحجّيّته لا فرق فيه بين أن يكون موافقا للأصل أو مخالفا له.
هذا ولكنّ الانصاف : أنّه رحمهالله ذكر ذلك في مقابلة صاحب الوافية من هؤلاء الجماعة ، فإنّه تعدّى من نفي ظهور الثمرة إلى نفي الحجّيّة قائلا ـ على ما حكي ـ « بأنّ فائدة المفهوم إنّما تظهر إذا كان الحكم فيه مخالفا للأصل.
وأمّا إذا كان موافقا له كما في الأمثلة الّتي استشهدوا بها ، فالحكم إنّما يثبت فيها بالأصل.
ودعوى الحجّيّة حينئذ إنّما نشأت من الغفلة عن ذلك ، لكون حكم المفهوم مركوزا في العقل من جهة الأصل » فقابله الفاضل المورد بقوله : « المفهوم الّذي نقول بحجّيّته لا فرق فيه »
وأمّا ما ذكره من العلاوة : فقد اتّضح ما فيه من قضاء الضرورة بعدم كون عقد هذه المسألة الاصوليّة لأن يظهر ثمرته عند التعارض ، إلاّ أن يراد بالثمرة مطلق الفائدة المترتّبة على المسألة وإن لم تكن مقصودة ، أو يراد منها ما هو من آثار الحكم الواقعي وما هو من آثار الحكم الظاهري فيما إذا ورد دليل آخر على خلاف المفهوم باعتبار دلالته على حكم مخالف للأصل ، فإنّه على القول بالحجّيّة يعارضه المفهوم لأنّه دليل باعتبار دلالة الخطاب عليه ، وعلى القول بعدمها لا معارض له لأنّ الأصل لا يعارض الدليل.
وأمّا الإيراد الأخير : فهو أضعف من سابقيه ، وذلك لأنّ القائل بالحجّيّة فيما خالف الأصل في نحو : « إن جاءك زيد فيباح إكرامه ، أو لا يجب إكرامه » إنّما لا يصحّ له البناء على « إباحة إكرامه » أو « عدم وجوب إكرامه » عند عدم مجيئه تمسّكا بالأصل لخروج الواقعة
__________________
(١) وهما السيّد بحر العلوم في الفوائد وصهره في المفاتيح.