على قوله عن الأصل بدلالة الخطاب على الحكم المخالف للأصل من حرمة إكرامه حينئذ أو وجوبه.
وهذا الكلام لا يجري في حقّ المنكر للحجّيّة.
أمّا أوّلا : فلأنّ إنكار الحجّيّة لا يرجع إلى دعوى تسبّب الجزاء في القضيّة الشرطيّة عن سبب هو إمّا الشرط المذكور فيها أو غيره ممّا يقوم مقامه في السببيّة والتأثير في وجود الجزاء ، بل إلى منع دلالة القضيّة على التلازم بينهما في العدم المعبّر عنه بلزوم الانتفاء عند الانتفاء ، نظرا إلى جواز تعدّد الأسباب وقيام سبب آخر مقام الشرط ، والمراد بالجواز هو الاحتمال لا أنّه كذلك ألبتة ، فيحتمل عنده كون حكم الواقعة عند انتفاء الشرط المذكور هو الإباحة أيضا أو عدم الوجوب كذلك ، لاحتمال تعدّد الأسباب وقيام سبب آخر مقامه ، ويحتمل كون حكمها الواقعي ضدّ الإباحة أو نقيض عدم الوجوب أعني الحرمة أو الوجوب لاحتمال انحصار السبب في الشرط المذكور فيها ، وهذا من الشكّ في التكليف الإلزامي فتندرج الواقعة في عنوان مجهول الحكم المعبّر عنه بما لا نصّ فيه ، فيجري فيها الأصل الكلّي المقرّر لعنوان مجهول الحكم المقتضي للإباحة أو عدم الوجوب ، فكيف يقال عليه أنّهما ليسا باقيين على مقتضى الأصل الأوّلي.
وأمّا ثانيا : فلأنّ المنكر للحجّيّة لا يبني في المسكوت عنه على الحكم المنطوقي حتّى يقال عليه : بأنّه بمقتضى القضيّة مستند إلى سبب وهو « المجيء » في المثالين ، لأنّه الّذي لا يكون باقيا على مقتضى الأصل الأوّلي ، فلا يصحّ الاستناد فيه حينئذ إلى الأصل لأنّ الحكم المنطوقي حكم واقعي غاية الأمر موافقته الأصل ، والمنكر لمنعه دلالة القضيّة على الانتفاء عند الانتفاء متوقّف في الحكم الواقعي للواقعة ، لتردّده عنده بين الإباحة وضدّها أو عدم الوجوب ونقيضه ، فلا مناص له في مقام العمل من الرجوع إلى أصل من الاصول المقرّرة للجاهل بالحكم الواقعي الفاقد للدليل ، فالإباحة أو عدم الوجوب الّذي يبنى عليه حينئذ عملا بذلك الأصل حكم ظاهريّ لا أنّه حكم منطوقي ، فكيف يورد عليه : بأنّه ليس باقيا على مقتضى الأصل الأوّلي؟
نعم لو علم ـ ولو إجمالا ـ أنّ إباحة الإكرام أو عدم وجوبه لهما سبب آخر غير « المجيء » محقّق في الواقع قائم مقامه عند انتفائه ، اتّجه القول بأنّهما ليسا باقيين على مقتضى الأصل الأوّلي من حيث مخالفة موضوعهما لموضوع مقتضى الأصل ، ولكنّه بمعزل