الوجوب وهذا هو معنى قوله : « إنّهما ليسا باقيين على مقتضى الأصل الأوّلي » ، وحينئذ فكما لا يصحّ للقائل بحجّيّة المفهوم المخالف للأصل القول بإباحة إكرام زيد أو عدم وجوبه على تقدير عدم مجيئه تمسّكا بالأصل فكذلك لا يصحّ لمنكرها القول بهما تمسّكا بالأصل أيضا ، لاتّفاق الفريقين على الدلالة المنطوقيّة وهي الدلالة على التلازم في الوجود.
غاية الأمر أنّ القائل بالحجّيّة له مانع آخر عن التمسّك بالأصل وهو الدلالة المفهوميّة.
وأنت خبير بما في كلّ من نفي ظهور الثمرة بين القولين في الموافق للأصل وكلّ من الإيرادات المذكورة عليه من الضعف.
أمّا الأوّل فلأنّ مرجع نفي الثمرة بينهما إلى اتّحاد نتيجة القولين في مقام الاستنباط في المسألة الفرعيّة ، فإنّ كلاّ من الفريقين في واقعة « إكرام زيد » على تقدير « عدم مجيئه » في المسألة الفرعيّة ، عند ورود قوله : « إن جاءك زيد فأكرمه » مثلا يبني على عدم الوجوب ، فهو اتّحاد بينهما في النتيجة وإن كان القائل بالحجّيّة يبني عليه لدلالة الخطاب عليه والمنكر لها يبني عليه لدلالة العقل عليه.
ويدفعه : أنّ اتّحاد النتيجة إن اريد به اتّحادها صورة فهو لا ينافي تغايرهما ذاتا ، وإن اريد به الاتّحاد بحسب الذات فهو واضح المنع ، لوضوح التغاير بين الحكم الواقعي والحكم الظاهري ، فعدم الوجوب على القول بالحجّيّة متعلّق بواقعة إكرام زيد عند عدم مجيئه لعنوانه الخاصّ فيكون حكما واقعيّا ، وعلى القول الآخر متعلّق بها لعنوان مجهول الحكم وما لا نصّ فيه فيكون حكما ظاهريّا ، فيترتّب على الأوّل كلّما هو من آثار الحكم الواقعي ، وعلى الثاني كلّما هو من آثار الحكم الظاهري.
وأمّا الإيرادات : فأمّا ما ذكره بعض الأعلام ففيه :
أوّلا : أنّ ثمرة المسألة ـ على ما بيّنّاه مرارا في غير موضع ـ عبارة عن الفائدة المطلوبة من عقد تلك المسألة وتدوينها ، والضرورة قاضية بعدم كون الغرض من عقد هذه المسألة لزوم الفحص وعدمه ، ولا وقوع المعارضة ووجوب الترجيح وعدمها ، بل الغرض من تمهيد المسائل الاصوليّة الباحثة عن أحوال الأدلّة بأسرها على ما هو مفاد « لام » الغاية المأخوذة في تعريف اصول الفقه بأنّه : « العلم بالقواعد الممهّدة لاستنباط الأحكام الشرعيّة » إنّما هو استنباط الأحكام من الأدلّة بواسطتها ، وطريقه أن تؤخذ تلك القواعد ـ الّتي هي مسائل اصول الفقه ـ في مقدّمات الاستدلالات على المسائل الفرعيّة ، ولأجل