ومحصّله : أنّ أيّا من الخصال اختاره المكلّف عند الامتثال على حسب ما ثبت له من التخيير الملازم لإلغاء التعيين وعدم اعتباره كان واجبا بالأصالة ، من جهة كونه ملحوظا بخصوصه وتعلّق الطلب به مع اعتبار قيد « الخصوصيّة » لا بأمر منتزع عنه مشترك بينه وبين معادله.
ويبقى الإشكال في تصوير هذا المعنى بحيث يكون كلّ متعلّقا للوجوب بالخصوص مع إلغاء جهة التعيين عن كلّ الّذي هو مفاد التخيير أو لازم له ، ويمكن دفعه أيضا بنحو ما قرّرناه سابقا.
وتوضيح ذلك : أنّ معنى قولهم : « لا يجب الجميع » أنّه ليس الجميع بحيث تعلّق به الوجوب على سبيل العامّ الاستغراقي حتّى يكون كلّ واجبا برأسه ويجتمع على المكلّف واجبات متعدّدة ، ولا على سبيل العامّ المجموعي حتّى يكون كلّ جزء للواجب.
ومعنى قولهم : « لا يجوز الإخلال بالجميع » أنّه ليس الجميع بحيث يكون ترك كلّ واحد جائزا في نظر الشارع حتّى ينافي تحقّق وصف الوجوب ، بل ترك الجميع على نحو العموم الاستغراقي مبغوض في نظره وممنوع عنه في خطابه ، وهو في معنى القول بأنّ ترك كلّ حال ترك الآخر مبغوض عنده وممنوع عنه في خطابه ، وقضيّة التوفيق بين هاتين المقدّمتين وجوب كلّ حال ترك الآخر ، لأنّ المنع عن ترك كلّ في تلك الحال ملازم لطلب كلّ في تلك الحال ، فجنس الوجوب مع فصله واردان على كلّ في تلك الحال ، فينتج أنّ الواجب فعل كلّ حال ترك الآخر ، وهذا مفهوم مقيّد صادق على كلّ واحد إذا قيس إلى حال ترك الآخر ، فيتحقّق في المقام مقيّدات فرضيّة والمكلّف مخيّر فيما بينهما فبأيّهما أتى يصدق عليه أنّه أتى بنفس الواجب ، لأنّه إتيان به حال ترك الآخر فيكون ما أتى به واجبا بالأصالة ، وهذا معنى قولهم : « أيّها فعل كان واجبا بالأصالة ».
وقضيّة ذلك كون الواجب المستقرّ في ذمّة المكلّف واحدا دائما ، لأنّ قضيّة مناقضة مقيّد كلّ لقيد الآخر مناقضة المقيّدات.
ومن البيّن استحالة التكليف بالامور المتناقضة ، فيستحيل من الله الحكيم إيجاب كلّ واحد من المقيّدات على سبيل العموم الاستغراقي ، بل الموافق للعدل والحكمة إيجاب كلّ واحد بالخصوص على طريق العموم البدلي ، وهذا هو مفاد التخيير المتضمّن لكون تعيين ما يحصل به الامتثال موكولا إلى اختيار المكلّف وهو واحد دائما ، فيكون هذا معنى قولهم : « كلّ واحد واجب على البدل ».