مخصوصا وقلنا : « صم يوم الخميس » فقد تعقّلنا أمرين وتلفّظنا بلفظين. وأمّا أنّ المأمور به هو هذان الأمران أو شيء واحد يصدقان عليه ويعبّر عنه باللفظ المركّب عنهما مثل « صوم يوم الخميس » فمختلف فيه.
فمن ذهب إلى الأوّل جعل القضاء بالأمر الأوّل ، لأنّ المأمور به شيئان فإذا انتفى أحدهما بقي الآخر.
ومن ذهب إلى الثاني جعل القضاء بأمر جديد ، لأنّه ليس في الوجود إلاّ شيء واحد فإذا انتفى سقط المأمور به.
ثمّ اختلافهم في هذا الأصل وهو أنّ المطلق والمقيّد بحسب الوجود شيئان أو شيء واحد يصدق عليه العينان ناظر إلى الاختلاف في أصل آخر وهو أنّ تركّب الماهية من الجنس والفصل وتمايزهما هل هو بحسب الخارج أم بمجرّد العقل ، فإن قلنا بالأوّل كان المطلق والمقيّد شيئين لأنّهما بمنزلة الجنس والفصل ، وإن قلنا بالثاني ـ وهو الحقّ ـ كانا بحسب الوجود شيئا واحدا.
وعن بعض المحقّقين (١) ردّ ذلك بأنّ كونهما شيئين في الخارج لا يقتضي كون القضاء بالفرض الأوّل ولا ينافي كونه بفرض جديد ، لاحتمال أن يكون غرض الآمر إتيانهما مجتمعا فمع انتفاء أحدهما ينتفي الاجتماع ، وكذا لا يجدي كونهما شيئا واحدا في نفي كون القضاء بالفرض الأوّل واثبات كونه بفرض جديد ، لاحتمال كون المراد المطلق لا بشرط الخصوصيّة ، وذكر الخاصّ لكونه محصّلا للمطلق بلا نظر إلى خصوصيّة الشيء المذكور ، فلا ينتفي المطلق بانتفاء هذا القيد ، فالنافي لكون القضاء بالفرض الأوّل مستظهر لثبوت الاحتمال الغير المستلزم للقضاء وعلى المثبت نفي ذلك.
والتحقيق في ردّه أن يقال : بمنع ابتناء الأصل الأوّل على الأصل الثاني ، فإنّ الفصل وما هو بمنزلته من القيود ممّا لا يصلح لأن يتعلّق به الحكم الشرعي جزما ، وإن سلّمنا تمايزهما بحسب الوجود عن الجنس وفرضناه مع كلّ منهما في الخارج موجودين متمايزين ، كيف وأنّ الحكم لا يتعلّق إلاّ بما كان من مقولة الأفعال ، ومبنى القول بكون المأمور به شيئا واحدا على فرض تعلّقه بالماهيّة المقيّدة على نحو دخول التقييد وخروج القيد.
ومبنى القول الآخر على توهّم حصول ملاحظة الماهيّة في نظر الآمر باعتبارين :
__________________
(١) سلطان العلماء في حاشية العضدي.