وثانيهما : إسقاط القضاء ، ثمّ أخذ بالتصرّف في الأوّل بحمله على إرادة حصول الامتثال ، مستشهدا باتّفاقهم على الإجزاء بهذا المعنى ، بزعم أنّ المعنى الأوّل الّذي خرج عن المتنازع هو هذا المعنى ولا يستقيم ذلك إلاّ بصرفه عن ظاهره ، وهو كما ترى ليس في محلّه فإنّ المعنيين على ما عرفت تعبيران عن معنى واحد.
والّذي ادّعى عليه الاتّفاق إنّما هو الإجزاء بمعنى الامتثال وهو إطلاق آخر ، لا الإجزاء بمعنى كون الفعل مسقطا للتعبّد به حتّى يحتاج إلى تكلّف التأويل بما ذكر.
وبالتّأمّل فيما قرّرناه تعرف أنّ وصف الفعل بالإجزاء بالمعنى المتنازع فيه يرادف وصفه بالصحّة في العبادات على اصطلاح الفقهاء ، كما أنّ وصفه بالإجزاء بالمعنى المتّفق عليه يراد وصفه بالصحّة فيها على اصطلاح المتكلّمين ، إذ لا يراد بالامتثال إلاّ ما يرجع محصّله إلى موافقة الأمر كما لا يخفى.
وأمّا وصفه بالاجزاء بمعنى إسقاط التعبّد أو إسقاط القضاء فهو وصف له بما يلازم الصحّة على اصطلاح الفقهاء لا بما يرادفها.
فما في كلام بعض الأعلام ـ من أنّ الظاهر أنّ الإجزاء في العبادات هو اللازم المساوي للصحّة فيها ـ على إطلاقه ليس بسديد.
ولكن يشكل ما ذكرنا : بأنّ الإجزاء بالمعنيين المتّفق عليه والمتنازع فيه ليس وصفا للفعل كما أشرنا إليه إجمالا فيما سبق ، مع أنّ ظاهرهم في تقسيم الفعل باعتبار الصحّة وخلافها إلى الصحيح وغيره كون الصحّة بكلّ من المعنيين وصفا له.
ويمكن دفعه : بالتزام كون الإجزاء بهذين المعنيين أيضا وصفا للفعل ، ولا ينافيه وصفه بالإجزاء بمعنى الإسقاط في كلّ من تعبيريه بعد ملاحظة اعتبار تعدّد الجهة ، نظرا إلى أنّ الصحّة على اصطلاح المتكلمين عبارة عن موافقة الأمر على معنى موافقة المأتيّ به للمأمور به.
وإنّما يتأتّى ذلك بإيجاد ما يوافق المأمور به عنوانا وقيودا ، بأن يكون فردا من الكلّي المأمور به ـ بناء على ما سبق تحقيقه من تعلّق الأحكام بالطبائع ـ فالفعل حينئذ له اعتباران : اعتبار الإيجاد الّذي هو وصف إضافي فيما بينه وبين الفاعل ، لاضافته إليه من حيث تعلّقه به وإلى الفاعل من حيث صدوره عنه ، واعتبار الوجود وهو الحاصل بالايجاد المتحقّق بعده ، فالإجزاء بمعنى الاسقاط وصف يلحقه باعتباره الأوّل ، والصحّة بمعنى