وتحقيق هذا المقام موكول إلى محلّه ، فإن ثبت كون هذا الطريق من الطرق الشرعيّة لا إشكال في جريان الأصل المذكور لإحراز الصحّة في موضع شكّ في طروّ ما يوجب الإخلال فيها ، وإلاّ فلا إشكال في عدم جريانه ، لكونه ملزوما للعلم بفساد الأصل ومعه لا معنى لإجراء الأصل الّذي موضوعه الشكّ في الفساد.
ومنشأ الإشكال في الثالث : الشكّ في أنّ الجاهل في العبادات إذا كان مقصّرا هل هو معذور إذا طابق عمله للواقع أو لا؟
ولتحقيق ذلك أيضا محلّ آخر يأتي إن شاء الله.
فإن ثبت ثمّة كونه معذورا وعلم بمطابقة عمله للواقع لا حاجة معه إلى إعمال الأصل بل يحكم بالسقوط بمجرّد ذلك العلم ، وإن لم يعلم بها فهو موضع جريان الأصل بلا تأمّل ، وإلاّ فلا إشكال في عدم جريانه بالتقريب المتقدّم.
ومن موارد الإشكال في ذلك المقام ما لو اختلف الفاعل والباقي في المكلّف به الواقعي الأوّلي والواقعي الثانوي ، كأن يكون الفاعل مكلّفا بالفرد الاضطراري لعدم تمكّنه عن الفرد الاختياري فأتى بما هو وظيفته ، كما لو كان المقام بالنسبة إليه موضع تقيّة فأتى بالعمل على حسب ما يقتضيه التقيّة ويكون الباقي مكلّفا بالفرد الاختياري لتمكّنه عنه ، فهل يكتفي في الحكم بسقوط الفرض عنه بما حصل الإتيان به من الفرد الاضطراري أو لا؟
والأقرب عدم الاكتفاء به بالتقريب المتقدّم فيما لو اختلفا في الرأي والمذهب ، مع إمكان أن يقال : انّ المتعذّر عن الفرد الاختياري مع وجود المتمكّن عنه لا تكليف له في تلك الواقعة ، بل هو في حكم من لا يقدر على العمل أصلا ، فكما أنّه لو اختلف المكلّفون في الكفائي في القدرة على أداء العمل وعدمها كان الفرض على القادر على التعيين وليس على غيره تكليف ، فكذلك ما لو اختلفا في التمكّن عن الاختياري وغيره ، فإنّ التكليف حينئذ يتعلّق بالمتمكّن عنه خاصّة وليس على غيره شيء كما لا يخفى.
وأمّا لو اختلف المكلّفون في خطاب الكفائي فيما بين قائل بالوجوب وقائل بعدمه ، فتركه القائل بالعدم تعويلا على حكمه الظاهري فلا إشكال في أنّه لا يوجب سقوط الفرض عن القائل بوجوبه كما في ردّ السلام ، وأمّا لو أتى به القائل بالوجوب بعنوان الاستحباب فهل يوجب ذلك سقوط الأمر عمّن يقول بالوجوب أو لا؟ فالأقرب هو الأوّل ، إذ ليس في الكفائي إلاّ أمر واحد غير أنّهما اختلفا في فهم الوجوب والاستحباب منه ،