الحكم بارتفاع الأمر.
ولو سلّم عدم اعتقاده به فلا أقلّ من الشكّ فيبقى استصحاب الحال وقاعدة الاشتغال سليمين عن المعارض إذ لم يكن لهما معارض ، في غير الصورة المفروضة إلاّ أصالة الصحّة في فعل المسلم.
وقد عرفت أنّها من جهة انتفاء موضوعها غير جارية فيها ، نظرا إلى أنّ الشكّ في ارتفاع الأمر لا ينافي العلم بالفساد باعتبار الواقع ، ضرورة أنّ الصحّة والفساد يختلفان باختلاف الآراء والأحكام الظاهريّة ، تتفاوت بتفاوت الاجتهادات ، وكون العمل محكوما بصحّته على حسب اجتهاد بعض المجتهدين من باب الحكم الظاهري له لا ينافي القطع بفساده بالنظر إلى الواقع في اجتهاد مجتهد آخر ، ومعنى الشك في ارتفاع الأمر مع العلم بفساد العمل بالنظر إلى الواقع أنّ هذا العمل المخالف لما في نفس الأمر في اعتقادنا المحكوم بصحّته في ظاهر حكم العامل هل أوجب ارتفاع الأمر المتعلّق بما هو صحيح في الواقع على حسب اعتقادنا أو لا؟
ومعناه التلازم بين الحكم الظاهري لأحد وقيامه مقام الحكم الظاهري لآخر ، والشك إنّما هو في الملازمة ، وهو ملازم للعلم بالطرفين اللازم والملزوم ، فإنّا نقطع قبل قيام البعض بأداء الفعل بأنّ حكمه الظاهري في تلك الواقعة إنّما هو ما اقتضاه اجتهاده أو اجتهاد مجتهده ، مع قطعنا بأنّ حكمنا في تلك الواقعة هو ما اقتضاه اجتهادنا بعنوان كونه هو الحكم الواقعي ، بحيث لو أردنا الإقدام على حسب اجتهاد الأوّل ليس لنا ذلك ، كما أنّه لو أراد الأوّل الإقدام عليه على حسب اجتهادنا لا يجزيه ، فإذا حصل منه القيام به على حسب اجتهاده فشكّ في أنّه هل يقوم مقام ما هو الحكم في حقّنا المغاير لما هو في حقّه أو لا؟ومعناه الشكّ في ارتفاع الأمر المتعلّق في تلك الواقعة بنا إذ لم يثبت له رافع ، والمقام من باب الشكّ في قدح العارض فيجري الاستصحاب ولا معارض له يكون رافعا لموضوعه ، لأنّ أصل الصحّة مع اعتقاد الفساد بالنظر إلى الواقع لا يجري.
ومنشأ الإشكال في الثاني : الشكّ في أنّ الاحتياط مع تمكّن العلم بأحد الطريقين الاجتهاد والتقليد هل هو ممّا جعله الشارع طريقا إلى اطاعته واكتفى به في امتثال أوامره ونواهيه أو لا؟ نظرا إلى أنّ أصالة الصحّة إنّما يصلح للاستناد إليها فيما ثبت له من الشرع وجه صحّة ثمّ شكّ في طروّ ما يوجب الفساد.