فحينئذ يبنى على إعمال ذلك الأصل في فعل صادر عن مجتهد أو مقلّد لمجتهد آخر متى ما قام عنده احتمال وقوعه على وفق مذهبه سواء وافقه الفاعل في أصل المذهب أو خالفه بالعموم والخصوص أو بالتبائن ، كما لو احتمل في حقّه السهو أو النسيان أو الخطأ أو سبق اللسان أو غيره ممّا أوجبه في إيقاع العمل على هذا المنوال ، لأنّ ذلك الأصل إنّما قرّر له طريقا في موضع الشكّ كما يستفاد من أدلّته ، ولا سيّما الرواية المتقدّم إليها الإشارة المقيّدة بما فيها من الغاية.
ولا ريب أنّ المفروض من موضع قيام الاحتمال المذكور منه وإن كان ذلك الاحتمال مرجوحا في بعض صور الفرض كما لا يخفى ، نظرا إلى ما تقدّم ذكره من أنّ الأصل إذا كان تعبّديا لا يقدح فيه الظنّ بخلافه ما لم يقم على اعتباره بالخصوص دليل والمقام منه.
وأمّا إذا علم بوقوع العمل على خلاف مذهبه فليس له البناء على الأصل والحكم بالسقوط ، بل يعقل للأصل هنا مجرى بعد العلم بفساد العمل ، لعلمه بوقوعه على خلاف ما هو الصحيح عنده وإن كان محكوما عليه بالصحّة على حسبما اقتضاه اعتقاد العامل ، لانتفاء ما هو مناط جريانه وما اخذ موضوعا في مجراه وهو الشكّ في الصحّة والفساد.
فما في كلام بعض الأفاضل من الحكم بالسقوط حتّى في الصورة المفروضة تعليلا ببعض الوجوه الناقصة والاعتبارات الفاسدة ليس على ما ينبغي ، كيف وهو ممّا لا بدّ له من وسط وهو منحصر في علمه بصحّة ما صدر عن البعض بعد علمه بأصل الصدور ، والأصل المقرّر له طريقا إلى ترتيب آثار الصحّة في مواضع الشكّ وقيام احتمال الصحّة ، وعلمه بفساد معتقد الفاعل ينافي كلاّ منهما ، وكون ما صدر على طبق ذلك المعتقد محكوما عليه بالصحّة في ظاهر الشريعة بالنسبة إلى الفاعل لا يجدي نفعا في تحقّق شيء من الأمرين ، وارتفاع التكليف عنه لا يوجب ارتفاع الأمر الكلّي الكفائي الّذي هو منوط بحصول المكلّف به ، لأنّه أعمّ من حصول المكلّف به وإن فرضناه أمرا واحدا ، فإنّ الكلام في أنّ ذلك الأمر الواحد هل حصل في الخارج ليوجب ارتفاع الأمر الكلّي؟
والمفروض أنّ غير الفاعل معتقد بعدم حصوله على حسب اجتهاده ومعه كيف يعقل
__________________
وبعبارة اخرى : الحكم بالسقوط المعلّق إمّا على تحقّق ما كان أمرا واقعيّا في نظر المكلّف أو على تحقّق ما نزّله الشارع منزلة تحقّق ذلك الأمر الواقعي وهو صدور الفعل من المسلم في موضع الشكّ في انطباقه على ذلك الأمر الواقعي. ( منه عفي عنه ).