وظاهر أنّ استصحاب الحال وقاعدة الاشتغال يقتضيان عدم الصحّة من الجهتين معا ، غير أنّ العمل بهما من الجهة الأولى ساقط بملاحظة أصالة ... (١)
وثامنها : لا خفاء أنّ فعل الغير إنّما يوجب سقوط الفرض عن الباقي إذا وقع على الوجه الصحيح ، فلو علم بالصحّة لا إشكال في السقوط كما أنّه لو علم بالفساد لا إشكال في عدم السقوط ، وإذا لم يعلم بشيء منهما فالمتّجه التعويل في إحراز الصحّة على أصالة الصحّة في فعل المسلم ، لعموم « ضع أمر أخيك على أحسنه » وبناء المسلمين في جميع الأعصار والأمصار عليه بناءا كاشفا عن الرضاء ، ولأنّه أصل يعوّل عليه فيما هو أعظم من المقام كما في القدوة وغيرها من العينيّات كما لا يخفى على المتأمّل ، فيكون التعويل عليه فيه أولى بالجواز ، بل ولا نجد فيه خلافا من العلماء إلاّ في بعض شقوق المسألة كما ستعرفه مع ضعفه.
واحتجّ بعض الأفاضل بعدم إمكان العلم بالصحّة الواقعيّة في الغالب ومحصّله : أنّه لو لا جواز التعويل على الأصل المذكور في إحراز صحّة فعل الغير لزم اشتراط العلم بالصحّة الواقعيّة وهو باطل لعدم إمكان العلم بالصحّة الواقعيّة في الغالب.
وهو كما ترى واضح الدفع ، لمنع بطلان التالي ، فإنّ اشتراط العلم بالصحّة الواقعيّة لا يوجب قبحا ولا محذورا وإن كان غير ممكن في الغالب ، فإنّ غاية ما يلزم من عدم حصول العلم بالصحّة ولو لتعذّره ، تعيّن العمل على المكلّف وأداء الفعل بطريق المباشرة وهذا ممّا لا محذور فيه أصلا.
إلاّ أن يقال : إنّ الحكمة تقتضي أن لا يجعل الشارع ما لا يمكن حصوله في الغالب شرطا لعراه عن الفائدة ، ولكنّه مجرّد دعوى لا شاهد عليها من العقل والشرع ، وعراه عن الفائدة غير مسلّم بعد كون انتفائه ممّا يترتّب عليه فائدة تعيّن العمل وإن شئت قلت : إنّ تعيّن العمل بعد تعذّر العلم بالصحّة الواقعيّة في فعل الغير أيضا طريق آخر من العلم بالصحّة الواقعيّة ، فيشترط العلم بالصحّة الواقعيّة في الحكم بالسقوط إمّا بتحصيله في فعل الغير أو بالمباشرة بالفعل وأدائه على وجه الصحّة.
ثمّ إنّ الأصل المذكور لكونه من الأصول التعبّديّة بحسب الشرع لا ينوط اعتباره
__________________
(١) ومن المؤسف ضياع بعض الوريقات في هذا الموضع من نسخة الأصل.