مثل المواراة والتطهير والإنقاذ يسقط الفرض بفعلهما من جهة قضاء ذلك الفعل بعدم بقاء ذات الموضوع بخلاف الصلاة والتغسيل ، فإنّ ذات الموضوع وهو الميّت باقية بعد فيجب على المكلّفين الخروج عن عهدة تكليفهم ، لكون وجود ما صدر عن غيرهم من جهة عدم تعلّق التكليف به بمنزلة عدمه.
وممّا يشهد بذلك أنّه لو اتّفق انعدام الميّت بإحراقه أو إلقائه في البحر سقط الفرض ولو كان ذلك من فعل الصبيّ والمجنون ، وليس السقوط هنا إلاّ من جهة انتفاء ذات الموضوع كما لا يخفى ، فما عن ثاني الشهيدين من إجراء وجهين في فعل الصبيّ مبتنين على شرعيّة عبادته وعدمه ـ كما حكاه بعض الأعاظم ـ ليس على ما ينبغي ، فإنّ شرعيّة عبادة الصبيّ إنّما تجدي في العبادات الراجعة إليه دون ما يرجع منها إلى المكلّفين ، والكلام في هذا المقام إنّما هو في أنّ عمله هل هو مجز عمّا وجب على المكلّفين أو لا؟
ولا ريب أنّ شرعيّة ذلك العمل له لا يلازمه ، لأنّ معنى شرعيّته اشتماله على نحو رجحان أوجب ترتّب ثواب عليه متعلّق بوالديه ، وهو ممّا لا مدخل له في الإجزاء عن عمل المكلّفين.
نعم ربّما يشكل الحال بالقياس إلى ما قرّرناه من الأصل لمورد الشكّ بناءا على ثاني الوجوه المذكورة لمنشأ الاختلاف ، فإنّ بناء الفرق لو كان على اعتبار قصد القربة وعدمه كان مقتضى الأصل هو السقوط بفعل الصبيّ والمجنون ، لأنّ الأصل في الواجب عدم كونه عبادة كما قرّرناه في محلّه.
وهذا الأصل وارد على الأصل المتقدّم ، لابتنائه على إطلاق الأمر وأصالة البراءة عن الشرطيّة الواردة هنا على استصحاب الحال وقاعدة الاشتغال.
ويمكن الذبّ عنه : بأنّ استصحاب الحال وقاعدة الاشتغال إنّما يجريان في المقام من جهتين
إحداهما : صدور العمل من المكلّف خالية عن القصد الموجب للشكّ.
وثانيتهما : صدوره عن غير المكلّف الموجب له أيضا ، وما ذكر من الأصل إنّما يصلح واردا عليهما من الجهة الاولى ، وظاهر أنّ سقوط العمل بهما من جهة لا يقضي بسقوط العمل بهما من الجهة الاخرى ، كما في المتيمّم إذا صادفه الماء في أثناء الصلاة موجبا للشكّ في صحّة صلاته ومع ذلك كان شاكّا في إباحة التراب الّذي تيمّم فيه.