ويظهر فائدة الوجهين فيما لو أراد الباقون الإقدام على العمل فيما بين شروع غيرهم إلى فراغه إذا كان العمل بنفسه قابلا لأن يجتمع على أدائه أكثر من واحد مع عدم الدلالة على اعتبار الوحدة في الامتثال ، نظرا إلى أنّ جواز الإقدام على أداء الواجب فرع بقاء وجوبه ، ويشكل الحال حينئذ على المختار فيما لو لحق الباقون بعد شروع غيرهم إلى ما فرغ ذلك عن العمل قبلهم ، فهل يجب عليهم قطع العمل لأنّ الأمر الكفائي قد ارتفع بحصول الغرض أو الواجب إنّما هو إتمامه لأنّ القدر المتيقّن ممّا ارتفع من الأمر إنّما هو ما تعلّق بالبعض الّذي حصل له الفراغ وأمّا الباقون فارتفاع الأمر عنهم محلّ شكّ فيستصحب إلى تمام العمل ، وهو الأظهر عملا بعموم ( لا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ )(١) مضافا إلى الأصل السليم عن المعارض.
ثمّ انّه لو حصل الفراغ للبعض عن العمل قبل تلبّس الآخرين فلا إشكال في سقوط الفرض عنهم ، ولا يجب معه عليهم التلبّس ، بل لو حصل بنيّة الوجوب مع العلم بالسقوط كان محرّما ، وأمّا كونه مندوبا بالخصوص أو مباحا فمبنيّ على ورود الدليل على الندب وعدمه ، ومن المندوب طلب العلم مع وجود من قام به الكفاية ، ومن المباح الصناعات كذلك لو قطع النظر عن العمومات القاضية بأنّ كلّ عمل يؤتى به لله عزّ وجلّ كان مندوبا وموجبا للثواب كان الجميع من المندوبات.
فما عن بعضهم في نوع الواجب الكفائي من القول بكونه بعد حصول المسقط نفلا لعدم صدق حدّ الواجب عليه ، لعلّه ناظر إلى إرادة هذا المعنى ، وإلاّ فكيف يعقل ذلك مع أنّه لم يرد فيه إلاّ أمر واحد إيجابي قد ارتفع بعد حصول المسقط ، إلاّ على توهّم أنّ المرتفع إنّما هو فصل الوجوب لا جنسه فيتخلّف عنه فصل الندب.
وفيه : مع أنّه غير معقول كما يأتي تحقيقه في محلّه ، أنّه ممّا لا يساعد إليه التعليل المذكور ، ومجرّد عدم صدق حدّ الواجب عليه لا يستلزم صدق حدّ المندوب عليه ، لكونه أعمّ والعامّ لا يصلح دليلا على الخاصّ.
وأمّا عن البعض الآخر قبالا للأوّل ـ من القول بكونه فرضا كالسابق لما فيه من ترغيب الفاعل ، لأنّ ثواب الفرض يزيد على ثواب النفل ، ولأنّ الفرض متعلّق بالجميع
__________________
(١) محمّد : ٣٣.