أشرنا إليه سابقا.
وخامسها : أنّ المعتبر في سقوط فرض الكفاية عن الباقين هل هو شروع من قام به الكفاية في العمل أو فراغه عن العمل؟ قيل فيه وجهان ، ويظهر عنه (١) الخلاف في ذلك حيث أسند الوجه الثاني إلى جماعة واختاره محتجّا بالأصل وإطلاق الأمر ، وهذا هو الّذي يساعد إليه النظر.
لنا : على ذلك بعد الأصل ، ما تقدّم من أنّ السقوط إمّا من جهة أداء الواجب في الخارج أو من جهة ارتفاع الموضوع بحصول المصلحة الداعية إلى الأمر ، وأيّا منهما كان فلا يعقل السقوط إلاّ بعد الفراغ.
أمّا على الأوّل : فلأنّ أداء الواجب معناه حصول الفعل في الخارج ولا يكون إلاّ بالفراغ.
وأمّا على الثاني : فلأنّ حصول مصلحة الواجب في الخارج منوط بحصول تمام الفعل ، مع أنّ قيام البعض بأداء العمل بمنزلة قيام البعض الباقي بأدائه لكونه منه بمنزلة النائب كما عرفت ، وكما أنّ ذلك البعض الباقي في واجباته العينيّة لا يفرغ ذمّته بمجرّد شروعه في العمل ، فكذلك في واجباته الكفائيّة إذا شرع في العمل من هو بمنزلته وقائم مقامه.
كيف ولو صحّ السقوط بالنسبة إليه بمجرّد شروع الغير لصحّ بالنسبة إلى الشارع أيضا لكون الأمر واحدا وكونهما في تعلّق ذلك الأمر بهما في عرض واحد وهو واضح الفساد ، مع أنّ المطلوب بالأمر إنّما هو إيجاد الفعل في الخارج لا مجرّد الشروع فيه ، فكيف يعقل سقوطه بمجرّد الشروع وهو منوط بحصول الامتثال الّذي هو منوط بحصول ما يمتثل به.
وبالجملة سقوط الفرض عن الباقين بمجرد شروع البعض لا نعقل له وجها إلاّ أن يقال : انّ الحكمة في إيجاب الكفائي على الجميع أن لا يتقاعد الجميع عن العمل ، فإذا حصل الشروع من البعض ارتفعت الحكمة المذكورة ، فينبغي أن يرتفع الأمر أيضا.
وفيه : أنّ هذه الحكمة إنّما اعتبرت في لحاظ الآمر مقدّمة لعدم فوات الواجب الموجب لفوات المصلحة الداعية إلى إيجابه.
ولا ريب أنّ ارتفاعها حينئذ دائر مدار عدم صدق قضيّة الفوات ، وهو منوط بصدق قضيّة الإدراك ولا يتأتّى ذلك إلاّ بعد الفراغ.
__________________
(١) أي عن الفاضل المشار إليه وهو صاحب هداية المسترشدين ٢ : ٣٨٨.