كون هذين اللفظين مفيدين له ، بتقريب ما ذكرناه مرارا من أنّ المراد بالعموم في مباحث العامّ والخاصّ استغراق الحكم لجزئيّات موضوعه أو أجزائه ، ولأجل ذلك نجد فرقا واضحا بين الاستفهام بأحد هذين اللفظين والاستفهام بالهمزة الّتي هي لطلب التصوّر والاستفهام بـ « هل » الّتي هي لطلب التصديق من حيث عدم دخول عموم في مفهوم الهمزة و « هل » كما في قوله : « أزيد عندك؟ » و « هل قام زيد؟ ».
والسرّ فيه : أنّ المعنى الإنشائي فيهما مقصور على شخص واحد أو على جملة واحدة لا تعدّد فيهما ، ومرجعه إلى عدم دخول التعدّد في مفهومي الهمزة و « هل » فلا يعقل فيهما العموم بخلاف « من » و « ما » لدخول التعدّد في مفهوميهما وهو تعدّد محتملات الحاصل عند المخاطب أو في الدار في نحو المثالين المتقدّمين الّذي هو مناط العموم بمعنى شمول الحكم للجزئيّات.
نعم لقائل ـ أن يقول ـ على كونهما للعموم بالوضع ـ : بأنّ قصارى ما يسلّم دخوله في وضع هذين اللفظين إنّما هو نفس المعنى الإنشائي الشامل لا شموله الّذي هو معنى العموم ، بل هو من قبيل الخارج عن الموضوع له اللازم له فيكون الدلالة التزاميّة أيضا نظير طلب إقامة الصلاة مثلا في نحو : ( أَقِيمُوا الصَّلاةَ )(١) فإنّه شامل لجميع الآحاد المدلول عليها بـ « واو » الجمع مع عدم دخول شموله لها في وضع صيغه « أقيموا » بل الداخل فيه نفس الشامل وشموله خارج عنه لازم له.
وبالجملة لا دليل على دخول شمول المعنى الإنشائي للجزئيّات والمصاديق في وضع اللفظين على أن يكون تمام الموضوع له أو جزؤه ، وعلى القائل بدخوله فيه إثباته بإقامة دليل واضح عليه وأنّى له بذلك.
ومع الغضّ عن ذلك أيضا نقول : إنّ المعنى الإنشائي شامل لجميع المصاديق شمولا واحدا على البدل باعتبار كون الحاصل عند السامع أو في الدار في نظر المتكلّم مردّدا بين الجميع محتملا لكلّ واحد على البدل لا على نحو الاستغراق ، ضرورة عدم كون كلّ واحد بعينه مطلوب التعيين كما أنّ كلّ واحد بعينه في نحو : « أكرم العلماء » مطلوب الإكرام ، فلا يكون العموم المتصوّر فيهما بالقياس إلى المعنى الإنشائي أيضا إلاّ عموما بدليّا.
المسألة الثالثة
في « من » و « ما » الموصوليّتين وقد اختلفوا في كونهما للعموم وعدمه ، فمنهم من نفاه
__________________
(١) البقرة : ٤٣.