وشناعته ... وإنّ من غير الجائز شرعاً وعقلاً أنْ يتجاوز الإنسان هذه القضيّة ـ المشتملة على قتل المسلمين صبراً وسبي النساء المسلمات واستباحة الفروج والأموال ، ثم تعطيل الحدود الإلهية ، فيقول (٣٥٧) مجيباً عن إنكار عمر : « وإنكار عدم قتل خالد من إنكار المجتهدين بعضهم على بعض فيما أدى إليه اجتهاهم ، فإنه نقل : إنّ خالداً انما قتل مالكاً لأنّه ارتد ، وردّ على قومه صدقاتهم لمّا بلغ وفاة رسول الله ، وخاطب خالداً بأنّه مات صاحبك ، فعلم خالد قصده إنّه ليس صاحباً له فتيقّن ردّته وأما تزوجه امرأته فلعلّها كانت مطلقة قد انقضت عدتها إلاّ أنها كانت محبوسة عنده ».
فنقول : لقد أطبق المؤرّخون على أن مالك بن نويرة قدم على النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم فيمن قدم من العرب ، وأسلم وأسلم بنو يربوع بإسلامه ، وولاّه رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم على صدقات قومه ثقةً به (١) وكان رجلاً سريّاً نبيلاً يردف الملوك ـ والمرادفة موضعان أحدهما : أن يردفه الملك على دابته في صيدٍ أو غيره من مواضع الانس ، والموضع الثاني أنبل وهو : أنْ يخلف الملك إذا قام عن مجلس الحكم فينظر بين الناس بعده ـ وهو الذي يضرب به المثل فيقال : مرعى ولا كالسعدان وماء ولا كصدّاء وفتىً ولا كمالك ، وكان فارساً ، شاعراً ، مطاعاً في قومه ، وكان فيه خيلاء وتقدم ، وكان ذا لمة كبيرة (٢).
فمالك كان مسلماّ وعاملاً لرسول الله على صدقات قومه.
وبقي مالك مسلماً حتى آخر لحظة من حياته ، روى المتقي عن إبن أبي عون وغيره : « ان خالد بن الوليد ادعى أن مالك بن نويرة ارتد بكلام بلغه عنه فأنكر مالك ذلك وقال : أنا على الإسلام ما غيّرت ولا بدّلت ، وشهد له أبو قتادة وعبدالله ابن عمر ، فقدّمه خالد وأمر ضرار بن الأزور الأسدي فضرب عنقه ، وقبض خالد امرأته أم متمّم فتزوجها. فبلغ عمر بن الخطّاب قتله لمالك بن نويرة وتزوّجه امرأته
__________________
(١) وفيات الأعيان ٥/٦٦ ، الإستيعاب ٣/١٣٦٢ ، الإصابة ٣/٣٥٧.
(٢) وفيات الأعيان ٥/٦٦ ، وانظر الإصابة ٣/٣٥٧.