لَعَنِتُّمْ) أي لا يترقّب أحد منكم أن يطيعه النبيّ (ص) في أكثر أموره ، بل حتى في بعضها ، لأنه لو كان كذلك لوقعتم في الهلاك أو المشقة الشديدة التي لا تطاق فلا بدّ لكم من أن تطيعوه في جميع أموركم فيرشدكم إلى ما فيه خيركم وصلاحكم لأنّه مؤيّد من ربّه ، فخلّوا زمام أموركم بيده فإنه الهادي إلى ما سواء السّبيل (وَلكِنَّ اللهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ) أي جلاه وحسّنه في قلوبكم بحيث صار محبوبا ومطلوبا عندكم والظاهر أن هذه الآية المباركة في مقام ردّ جماعة وتعييرهم على ما كانوا عليه من العقائد الفاسدة النّاشئة عن عدم كمال إيمانهم ونقصانه. غاية الأمر أنها جاءت بلسان أدب واحترام لأنهم كانوا مؤمنين والمؤمن محترم في أيّة مرتبة من مراتب الإيمان كان. بيان ذلك أن المستفاد من الآية السّابقة على هذه الكريمة هو أن جماعة من المؤمنين كانوا يترقّبون ويتوقّعون من النبيّ الأكرم (ص) أن يطيعهم في بعض أمورهم ويوافقهم على آرائهم وعقائدهم مثل أنهم كانوا متوقعين منه صلىاللهعليهوآله ان لا يكذّب الفاسق الوليد بن عقبة وأن لا يقرأ الآية على الناس بحيث يظهر فسقه فيفتضح بين الناس مع أن الله نزّلها وأمره بأن يقرأها على الناس لأنّهم هم أيضا يجب أن لا يعتمدوا في أمورهم على أخبار الفسقة ، فإن الآية المباركة وإن كان موردها خاصّا لكنها لا تختصّ بموردها بل هي عامة تشمله وتشمل غيره. والحاصل أن توقعهم هذا من النبيّ (ص) كاشف عن النقصان في الإيمان فإن المؤمن الكامل يسلّم ويرضى بما يأمر النبيّ به وينهى عنه. والآية الثانية جاءت في مقام نصحهم بأن هذه العقيدة خلاف ما أنتم عليه من الإيمان به تعالى وبرسوله (ص) حيث إن مقتضاه أن تطيعوه دون العكس ، لأنه العارف بما فيه صلاحكم وما فيه الفساد بإلهام منه تعالى إليه ، وأنتم لستم ممّن تدرون عواقب الأمور وصلاحها وفسادها بل الله سبحانه (حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ) وزيّن قلوبكم به ليكون إيمانا كاملا يمنعكم عن هذه العقائد الفاسدة ويحملكم على أن تخلّوا زمام أموركم بيد نبيّكم