يكن مستلزما كما هو مذهب البعض ، فذكره بعده لترجّي العباد وتأميلهم لفضله وإحسانه عليهم ، وذكر العلم بأفعال عباده للتّنبيه على عدم اغترارهم وأمنهم. وبالجملة لا بدّ من أن يكون العبد بين الخوف والرجاء في كلّ الأحوال. وأمّا ما قلناه من أن هذه الشريفة هي أرجى آية في القرآن الكريم ، فقد استفدناه من شأن نزولها ، فإنها قد نزلت في أهل الافتراء ونسبة الكذب إلى النبيّ الأعظم صلوات الله عليه وآله كما ذكرنا قبل قليل. وهذه النّسبة من أعظم الذنوب وأكبر السيئات ، ومع ذلك فإن المفترين بعد ندامتهم وتوبتهم واعترافهم للنبيّ (ص) بذنبهم نزلت في مقام توبتهم والعفو عنهم مطلقا وخصوصا بعد مثولهم في حضرته المقدّسة وإعلان اعترافهم بذنبهم مع البكاء والنّحيب والندم على ما في رواية العيون عن الحسين الشهيد عليه صلوات الله وسلامه ... هذا وقد أتى بالجملة الاسميّة التي تدلّ دلالة واضحة على الإدامة والاستمرار بالنسبة إلى كلّ تائب وعن أيّة سيّئة من السيّئات وفي كل وقت (وَيَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ) أي من خير وشرّ فيجازيكم على ذلك.
٢٦ ـ (وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا) ... أي يجيبهم إلى ما يسألونه (وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) قلنا إن الإيمان بلا عمل لا يقبل لأنه يكشف عن أنّ الإيمان لساني لأنّ الإيمان الحقيقيّ لا ينفكّ عن العمل الخارجيّ وكذلك العكس (وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ) أي على ما فعلوا واستحقّوا بالطّاعة أو بالاستجابة. وقد سئل إبراهيم الأدهم : ما لنا ندعوه فلا نجاب؟ قال : لأنّه دعاكم فلم تجيبوه ، فقرأ هذه الآية (وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا) ، إلخ وقيل إن الاستجابة بمعنى قبول الطاعة والإنابة ، والزّيادة باعتبار الثواب (وَالْكافِرُونَ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ) استحقّوه بكفرهم ومعاداتهم لمحمد وأهل بيته صلىاللهعليهوآله.
* * *