أي شركاء وأشباها من تلك الأحجار والأخشاب التي تنحتونها وتصنعونها صورا وتماثيل فتعبدونها في قبال خالقكم وخالق السماوات والأرضين؟ فإن هذا العمل خارج عن رتبة الإنسانية ومقام البشرية وشؤونها حيث كرّمكم الله تعالى وشرّفكم بقوله (وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ) فإن الإنسان المكرّم لا يعرض عن عبادة ربّه إلى عبادة الجماد الذي هو أخسّ المخلوقات وأدناها ، وهذا عمل لا يعمل به ذو شعور فكيف بذي عقل وإدراك يميّز بين الحسن والقبح والحق والباطل؟ اللهم إلّا أن تشمله ضلالة الله ومن يضلل الله فلا هادي له حتّى يخرجه عن تيه الضلالة إلى ساحة الهداية. والمراد باليومين اللّذين في قوله تعالى : (خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ) هو حدّهما الزّماني من أيّام الدنيا وهذا التحديد للتّنبيه على كمال قدرته حيث إن إيجاد هذا الخلق العظيم وهذه الأرض الوسيعة في تلك المدّة القليلة من أعجب العجاب ، ويدلّنا على قدرة لا نتصورها لكمال عظمتها فهي خارجة عن صقع فكرنا وإدراكنا. فمن هذه قدرته وعظمته هو الذي يستحق العبادة وينبغي أن يعبد لا أدنى المخلوقات وأخسّها وأين التراب من ربّ الأرباب؟ فيا أيّها الإنسان لم لا تنتبه من نومتك ولا تتفكّر في أمرك فعمّا قريب ترد على ربّك شئت أم ما شئت (ذلِكَ) أي الذي بهذه القدرة والقوّة (رَبُّ الْعالَمِينَ) هو خالق الكائنات ومالك التصرّف فيها فينبغي أن يعبد وحده حيث لا شريك له في الإلهيّة ولا ندّ له في الرّبوبيّة. وإن قيل من استدلّ على شيء لإثبات شيء فلا بدّ أن يكون المستدل به مسلما ثبوته عند الخصم حتى يصحّ الاستدلال به ، وفيما نحن فيه كونه تعالى خالقا للأرض في يومين وهو المستدل به أمر غير ثابت لأن إثباته بالعقل المحض لا يمكن لأنه أمر ليس للعقل طريق إليه وإنّما طريقه السّمع ووحي الأنبياء وهم كانوا منازعين لهم في الوحي والنبوّة ، فكيف يستدل بكونه خالقا للأرض في يومين على إثبات وجوده تعالى فضلا عن كونه رب العالمين؟؟ والجواب أنّ كفّار مكّة كانوا معتقدين بأهل الكتاب في كونهم أصحاب العلوم