كلام في البين لأنّه سبحانه يخاطب المعدوم في عالم الأمر بالتكوّن والمخاطبة في ذاك العالم لا تكون بلفظ بل خطابه قصده ومقارنا لتلك الإرادة. والمراد أن الموجود يكون بلا فصل زماني ، بل الإرادة والمراد مقترنان في الوجود تمام المقارنة. والتعبير بالفاء التي تدلّ على التقدّم والتأخّر الزمانيّ من باب التفهيم والتفاهم لعامّة الناس وتقريب المقصود إلى أفهامهم والمطالب الدّقيقة إلى أذهانهم ، وإلّا فلم يكن بين إرادة الله ومراده في الإيجاد تقدّم ولا تأخر زماني. نعم التقدم والتأخّر الرّتبي لا بدّ وأن نقول به حيث إنه ما لم يكن قصد لم يكن مقصود ، وبالجملة فاستدل سبحانه بهذه الصفات على كمال القدرة ، وعبّر عن الإيجاد والإعدام ، وإن شئت قلت عن الإحياء والإماتة بقوله : كن فيكون ، أي الانتقال من كونه ترابا إلى النطفة وإلى كونه علقة ، وإلى العظام. وفي هذه الانتقالات على مقتضى الحكمة حصول تدريجي. وأمّا تعلّق جوهر الرّوح به فذلك يحدث دفعة واحدة. ولا يخفى أن تلك المراتب من عالم الخلق ولكن قضية تعلق الزمان من عالم الأمر فلعلّه لذلك عبر بقوله كن فيكون.
* * *
(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللهِ أَنَّى يُصْرَفُونَ (٦٩) الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالْكِتابِ وَبِما أَرْسَلْنا بِهِ رُسُلَنا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (٧٠) إِذِ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ وَالسَّلاسِلُ يُسْحَبُونَ (٧١) فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ (٧٢) ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ ما