(فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضى عَلَيْهَا الْمَوْتَ) أي لا يردّها إلى البدن ولا يرسلها إليه فقدّر موتها في نومها. والحاصل أنّ المقصود من الآية المباركة إتيان الحجة وإتمامها على المشركين ببيان قدرته حتى يعرّفهم بأنه المستحق للعبادة دون آلهتهم العجزة الّتي لا تسمن ولا تغني شيئا ولا تنفع ولا تضرّ. وفيها إشعار في تشبيه الهداية والإيمان بالحياة واليقظة ، والكفر والضّلال بالموت والنوم. فقال سبحانه إنّه تعالى بقدرته الكاملة يتوفّى الأنفس حين موتها وعند نومها. قال ابن عباس في بني آدم نفس وروح بينهما مثل شعاع الشمس ، فالنفس بها التعقّل والتميّز ، والروح بها التنفس والحركة. فإذا نام الإنسان قبض الله نفسه ولم يقبض روحه ، وإذا مات الإنسان قبض الله روحه أيضا. ويؤيّده ما رواه العيّاشي عن الباقر عليهالسلام قال : ما من أحد ينام إلّا عرجت نفسه إلى السّماء وبقيت روحه في بدنه وصار بينهما سبب. ولعل مراده (ع) : علاقة كشعاع الشمس فإن أذن الله في قبض الروح وقضى عليه بالموت أجابت الروح النفس ، وإن لم يأذن أجابت النفس الرّوح ، وهو قوله تعالى (اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها) الآية فما رأت في ملكوت السّماوات فهو ممّا له تأويل ، وما رأت فيما بين السّماء والأرض فهو مما يخيّله الشيطان ولا تأويل له. ونسبة التوفّي إلى الملك في بعض الآيات باعتبار المباشرة وإلّا فالمتوفّي هو الله عزوجل. والنفس الإنسانية عبارة عن جوهر مشرق روحانيّ ، أي من سنخ عالم الرّوحانيّات لا العناصر. إذا تعلّق بالبدن حصل ضوؤه في جميع الأعضاء وهو الحياة. ففي وقت الموت ينقطع ضوؤه عن ظاهر البدن وعن باطنه. وأمّا في وقت النّوم فإنه ينقطع ضوؤه عن الحواس وظاهر البدن من بعض الجهات ، ولا ينقطع عن الباطن. فالموت والنوم متشابهان ولذا يقال : النوم أخو الموت. إلّا من بعض الجهات كما أشرنا فإنّ الموت هو انقطاع تام والنوم هو الانقطاع الناقص فيشتركان في كون كلّ واحد منهما توفّيا للنّفس. وهذا التّدبير العجيب الذي تحيّرت العقول دونه لا يمكن صدوره