يرضى شكرهم لهم لا له ، لأنه سبب لمزيد نعمهم الدنيويّة وموجب لزيادة الدرجة الأخرويّة ، فمآل شكرهم يرجع إليهم لا إليه سبحانه لأنه غنيّ على الإطلاق. وطلبه الطاعة منهم وكراهته العصيان منهم لصلاحهم بالطاعة وضررهم بالعصيان فلا تنفعه طاعة المطيعين ولا تضرّه معصية العاصين. ثم إنّه تعالى يذكر عدله يوم الجزاء بقوله : (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) أي لا تحمل حاملة ثقل أخرى. وحاصله : لا يؤاخذ بالذنب إلّا من ارتكبه وفعله. فهذا الكلام تنبيه وتخويف للعباد حتى تدري كلّ نفس تكليفها وما عملت ، وتتوجّه إلى ما ترتكبه ، وكذا جملة ما بعده : (ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) بالمحاسبة والمجازاة (إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) لا يخفى عليه سرّ ولا علانية ولا الكثير ولا مثقال الذرّة.
* * *
(وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ ضُرٌّ دَعا رَبَّهُ مُنِيباً إِلَيْهِ ثُمَّ إِذا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ ما كانَ يَدْعُوا إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْداداً لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلاً إِنَّكَ مِنْ أَصْحابِ النَّارِ (٨) أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ ساجِداً وَقائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ (٩))