المعنى :
(إِنَّ الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللهِ بِغَيْرِ سُلْطانٍ أَتاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ ما هُمْ بِبالِغِيهِ). المراد بالذين يجادلون هنا المترفون فإنهم ينكرون كل شيء إذا لم يعترف بتعاظمهم ، ويخضع لكبريائهم ، والشاهد على ان المترفين المتكبرين هم المقصودون بالذات قوله تعالى : (إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ) أي انهم لتكبرهم وتعاظمهم لا يذعنون للحق ، ويجادلون فيه بالباطل .. ومن أفضل الفضائل التوبة من الخطيئة ، والاعتراف بالخطإ والرجوع الى الصواب (فاستعذ بالله) من التكبر وسوء عاقبته (إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) بتعصب المتكبرين لجاههم وثرائهم ، وفي نهج البلاغة استعيذوا بالله من لواقح الكبر ـ أي أثره في النفوس ـ كما تستعيذون من طوارق الدهر.
(لَخَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ). كلما تقدمت العلوم ازدادت معاني القرآن قوة ووضوحا في الأذهان .. قال العلماء القدامى : الإنسان أعجب الكائنات الأرضية والعلوية ، وان الأرض هي مركز الكون .. ثم جاءت العقول الألكترونية وغيرها من أدوات العلم الحديث لتقول : كلا ، ليس الإنسان أعجب الكائنات ، ولا الأرض مركزا للكون ، فإن في الكون ملايين الملايين من المجرّات ، وان في كل مجرة ملايين الملايين من الكواكب ، وان في كل كوكب ملايين الملايين من عجائب الكائنات ، وانه لا أحد غير الله يعلم أو يستطيع أن يعلم عدد المجرات أو عدد الكواكب في كل مجرة ، أو ما فيها من الكائنات وان نسبة الأرض الى الكون كنسبة الذرة أو دونها الى الأرض .. وبهذا نجد تفسير قوله تعالى : (لَخَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ). أجل ، ولكن في داخل الإنسان أيضا كونا عجيبا في كنهه وحقيقته ، وميوله وشعوره ، وطموحه وجميع غرائزه.
(وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَلَا الْمُسِيءُ قَلِيلاً ما تَتَذَكَّرُونَ). الفرق بعيد جدا بين العالم والجاهل ، وبين الصالح والفاسد ، وبين المحسن والمسيء .. كلا ، لا يستويان عند الله ، ولا عند الناس من أهل