وامتد الحصار خمسا وعشرين ليلة حتى أوشكوا على الهلاك من الجهد والخوف ، وعندئذ طلبوا من النبي (ص) باختيارهم وملء إرادتهم أن ينزلوا على حكم سعد ابن معاذ ، وهو رئيس الأوس ، وكان بنو قريظة حلفاء لهم ، فاستجاب النبي لطلبهم ، واستدعى سعدا ، وقال له : ان هؤلاء قد نزلوا على حكمك مختارين ، فاحكم بما شئت. قال سعد : وحكمي نافذ عليهم؟ قال النبي (ص) : نعم. فحكم سعد أن تقتل رجالهم المقاتلون ، وان تقسم أموالهم ، وتسبى ذراريهم ونساؤهم ، وان تكون ديارهم للمهاجرين دون الأنصار ، لأن للأنصار ديارا ، ولا ديار للمهاجرين.
فأمر النبي (ص) بقتل الرجال الذين كانوا يحملون السلاح ، ومن حث بني قريظة على نقض العهد ودبر المعركة ضد المسلمين كحيي بن أخطب زعيم بني النضير ، ثم قسمت الأموال ، وسبيت الذراري والنساء كما حكم سعد الذي اختاره بنو قريظة حكما. والى هذا يشير قوله تعالى : (فَرِيقاً تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقاً). وقدمنا ان سهما من أسهم الأحزاب أصاب أكحل سعد ، وانه طلب من الله ان لا يميته حتى يقر عينيه من بني قريظة .. وبعد أن نفّذ فيهم حكمه انفجر الجرح وانتقل إلى رحمة الله ورضوانه ، وهو قرير العين بالشهادة واستجابة الدعاء.
وتسأل : كيف أقر النبي (ص) حكم سعد ، وفيه ما فيه من العنف والقسوة حتى اتخذ منه أعداء الإسلام وسيلة للطعن والتشهير؟
الجواب : ان محمدا لم يظلم بني قريظة ، وانما أنفسهم كانوا يظلمون لأنهم اختاروا لها هذا المصير بملء ارادتهم ، ويشهد لذلك :
أولا : انهم عاهدوا النبي ونكثوا العهد في أحرج الأوقات ، كما هو دأب اليهود منذ القديم قال تعالى : (أَوَكُلَّما عاهَدُوا عَهْداً نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ) ـ أي الرؤساء ـ ١٠٠ البقرة.
ثانيا : ان النبي (ص) عرض عليهم أن يدعهم وشأنهم شريطة أن يقولوا :