(وَقالَ ـ سليمان ـ يا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ). أقر الإسلام فكرة المعجزة الخارقة على أيدي الأنبياء ، ومن أنكرها فليس بمسلم ، لأن هذا الإنكار تكذيب لله ورسوله ، وبالمعجزة وحدها نفسر معرفة سليمان بلغة بعض الطيور .. إن الله سبحانه خصّ كل نبي بنوع خاص من المعجزات ، فكان نصيب سليمان تسخير الريح له وبعض الجن ، ومعرفته بلغة بعض الطيور والحشرات كالنمل (وَأُوتِينا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هذا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ). المراد بكل هنا الكثرة دون الشمول والاستغراق ، تماما كما تقول : فلان يملك كل شيء كناية عن كثرة أملاكه وتنوعها. وتدل الآية على ان للطيور إدراكا ولغة تتفاهم بها ، ويؤكد ذلك قوله تعالى : (وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ) ـ ٣٨ الأنعام.
(وَحُشِرَ لِسُلَيْمانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ). و (من) هنا للتبعيض ، أي بعض الجن والانس والطير .. وقلنا مرارا : اننا نؤمن بوجود الجن لأن القرآن يثبته والعقل لا ينفيه ، وقد كان لسليمان جيش من الجن والانس والطير ، وكان لكل صنف من هذه الأصناف الثلاثة قادة ومراقبون يحافظون على النظام في السير وغيره ، وهذا هو معنى يوزعون.
(حَتَّى إِذا أَتَوْا عَلى وادِ النَّمْلِ قالَتْ نَمْلَةٌ يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ). اختلف المفسرون في مكان هذا الوادي ، فمن قائل : انه في الطائف ، وقائل هو بالشام ، ومهما يكن فإن الآية تدل على ان للنمل إدراكا ولغة ونظاما ، وهذا ما أثبته العلم ، أما معرفة سليمان بلغة النمل فلا تفسير لها إلا بالمعجزة الخارقة.
وتسأل : كيف سمع سليمان كلام النملة ، وبينه وبينها من البعد ما الله أعلم به ، مع ان أحدنا لو أدخل النملة إلى أذنه لا يسمع لها صوتا؟.
وجاء في بعض الروايات ان الريح حملت لسليمان كلام النملة. ويؤيد هذه الرواية قوله تعالى : (فَسَخَّرْنا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ) ـ ٣٦ ص.