الأحزاب ، وأوضح من هاتين الآيتين قوله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ وَبَناتِكَ وَنِساءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَ) فإن قوله تعالى : «يدنين عليهن من جلابيبهن» عام يشمل الستر والحجاب لجميع أجزاء البدن بما فيه الرأس والوجه ، ويؤيد هذا الشمول قوله سبحانه : «ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين». فقد كانت المسلمات في أول الإسلام يخرجن من بيوتهن سافرات متبذلات على عادة الجاهلية ، فطلب سبحانه من نبيه الكريم في هذه الآية أن يأمرهن بالستر والحجاب ، والأمر يدل على الوجوب فيكون الحجاب واجبا .. أجل ، لقد خرج من هذا العموم الوجه والكفان لقوله تعالى : «ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر».
(ذلِكَ أَدْنى أَنْ يُعْرَفْنَ) بالعفة والصون ، فإن الحجاب يحجز بين المرأة المتحجبة وبين طمع أهل الفسق والريب (فلا يؤذين) بالمعاكسات والنظرات الفاسقة (وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً) يغفر عما سلف ، ويرحم من تاب وأناب.
(لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لا يُجاوِرُونَكَ فِيها إِلَّا قَلِيلاً). المنافقون هم الذين أضمروا الكفر وأظهروا الايمان ، والمرجفون قوم من المنافقين كانوا ينشرون الدعايات المضللة ضد النبي (ص) والصحابة ، ويشككون ضعاف الايمان الذين عبّر عنهم سبحانه بقوله : (وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ). والآية تهديد ووعيد بالقتل والنفي لأهل النفاق والإرجاف ومن يستمع اليهم إذا لم يكفوا عما هم عليه من الإضلال والإفساد.
وفي عصرنا يسمى الإرجاف بالحرب النفسية ، وقد تفننت فيها قوى الشر ، وبلغت الغاية من بث الأكاذيب والأباطيل بكل وسيلة ، بالصحف والاذاعة والتلفزيون وأفلام السينما والخطب والمنشورات والمدارس والجامعات والكتب والقصص وغيرها ، وكررت هذه الأجهزة الأكذوبة الواحدة على مسامع الناس في كل يوم مرات ومرات حتى لا تجد الحقيقة مكانا لها عند الطيبين والمخلصين إلا إذا كانوا على وعي تام وعلم مسبق بدعايات الاستعمار والصهيونية وأساليبهما المضللة.