(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَها هُزُواً). قال صاحب مجمع البيان : «أكثر المفسرين على ان المراد بلهو الحديث الغناء .. وعن الإمام جعفر الصادق (ع) انه الطعن بالحق والاستهزاء به».
وهذا التفسير أقرب الى الواقع ، وأليق بالسياق ، فإن الله سبحانه بعد أن ذكر المؤمنين المفلحين ذكر المجرمين الذين يشترون الذمم من الذين يتاجرون بالدين والضمير ليضللوا الناس عن الحق ، ويصرفوهم عنه بالأوهام والأباطيل .. وأوضح مثال على ذلك ما تلجأ اليه قوى الشر والاستغلال في هذا العصر لتدعيم مكانتها وبث دعايتها ، حيث تنفق الملايين على الصحف المأجورة لتنشر الأكاذيب والافتراءات ، وتروّج للخونة والعملاء ، وتشكك بالمخلصين الأحرار ، وفوق هذا ان تلك الأجهزة الشريرة ألبست عملاءها ثياب أهل الدين ليلصقوا به البدع ويفسروه بما شاء لها البغي والاستغلال ، ويبثوا الفتن والشقاق بين الطوائف وأهل الأديان .. وبعد حرب الشرق الأوسط سنة ١٩٦٧ شاهدنا ألوانا من الاشاعات الكاذبة والحرب النفسية في الصحف المأجورة ، أما نشاط الدخلاء فقد بلغ الغاية في الجرأة على الله ورسوله .. ولكن الأيام كشفت الحقائق ، وفضحت الدخلاء والعملاء ، وأوان التصفية آت لا محالة (أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ) لأنهم باعوا دينهم للشيطان ، وتآمروا معه على الحق وأهله.
(وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا وَلَّى مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْراً فَبَشِّرْهُ بِعَذابٍ أَلِيمٍ). المؤمن المخلص يستمع للحق ، ويتصامم عن الباطل ، والخبيث المجرم صاحب الغايات والأهداف يصغي للباطل ، ويتصامم عن الحق .. ولا جزاء له إلا عذاب أليم ، قال الرازي : «العاقل يطلب الحكمة بأي ثمن ، وهم ما كانوا يطلبونها ، وإذا جاءتهم مجانا ما كانوا يسمعونها» (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ). لمّا بيّن سبحانه جزاء من أعرض عن آياته وانه عذاب أليم بيّن جزاء من آمن وعمل بها وانه جنات النعيم (خالِدِينَ فِيها) ولهم ما يشتهون (وَعْدَ اللهِ حَقًّا) لأنه واقع لا محالة (وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) عزيز بقدرته التي لا تغلب ، حكيم بتدبيره الذي لا ينكره إلا جاهل أو مكابر.