(اتْلُ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتابِ). اقرأ يا محمد هذه الأمثال التي ضربناها للناس في القرآن لعلهم يفقهون ويتقون (وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ). وتسأل : ظاهر الآية يدل على ان المصلين ينتهون عن الفحشاء والمنكر ، ولا يفعلون منهما شيئا مع ان أكثرهم فاسقون ، بل ان البعض منهم أسوأ سيرة من بعض الملحدين والمشركين؟
الجواب : كلا ، ان ظاهر الآية يدل بوضوح على ان الصلاة تنهى المصلي عن الفحشاء والمنكر ، تنهاه بالقول والإرشاد ، ولا دلالة فيها على ان المصلي ينتهي بسببها عن الفحشاء والمنكر ، والفرق بين النهي والانتهاء كبير وواضح .. وليس من شك ان كل كلمة من كلمات الصلاة وحركة من حركاتها تنهى عن معصية الله ، وتأمر بطاعته ، وبكلمة ان الصلاة كالقرآن تأمر وتنهى تشريعا لا تكوينا. انظر ج ١ ص ٧٢ فقرة : «التشريع والتكوين».
ولابن عربي في الفتوحات المكية كلمة غامضة ومعقدة حول هذه الآية ، ولكنها دقيقة المعنى ، وتوضيحها ان المصلي يحرم عليه حين الصلاة أن يتفوه بكلمة أو يتحرك بحركة تناقض طبيعة الصلاة وتبطلها ، ولا يحرم عليه ان يقول ويفعل شيئا يتلاءم مع الصلاة وصحتها ، كما لو زاد في التسبيح والتحميد حين الركوع والسجود ، أو تصدق لوجه الله في أثناء الصلاة دون أن يخل بشيء منها ، كما فعل علي أمير المؤمنين (ع) حين تصدق بخامته ، وهو راكع. وعلى هذا يكون المراد بالفحشاء والمنكر كل قول أو فعل يبطل الصلاة ، أن اي الصلاة تقول للمصلي : حافظ عليّ ولا تأت بشيء يبطلني ويخرجني عن هويتي وحقيقتي.
(وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ). ليس المراد ان ذكر الله أكبر من الصلاة ، لأن الصلاة ذكر الله ، والشيء لا يكون أكبر من نفسه ، وانما المراد ان الله أكبر ذاكر لعباده باللطف والرحمة ، وبكلام أوضح ان الله ذاكر ومذكور ، هو ذاكر لأنه يذكر عباده بلطفه ورحمته ، وهو مذكور لأن عباده يذكرونه بقلوبهم ايمانا وإخلاصا وبألسنتهم تهليلا وتسبيحا ، وبأفعالهم ركوعا وسجودا ، وهو أكبر الذاكرين والمذكورين لأنه رب العالمين (وَاللهُ يَعْلَمُ ما تَصْنَعُونَ) من خير وشر ، ويجزي كل نفس بما كسبت وهم لا يظلمون.