المعنى :
(طسم) تقدم الكلام على مثله في أول سورة البقرة (تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ). تلك إشارة الى هذه السورة ، والكتاب القرآن ، والمبين الواضح في تمييز الغي من الرشد (نَتْلُوا عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ). لقد تلا سبحانه هذا النبأ على نبيه الكريم مرات ومرات ، وأوضحنا الغاية من تكراره عند تفسير الآية ٩ من سورة طه ، فقرة : «تكرار قصة موسى». (إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَها شِيَعاً). طغى وبغى ، وتكبر وتجبر ، وقسم أهل مملكته إلى فئات متطاحنة ليدوم له الملك ، يعطي فئة ، ويمنع أخرى (يَسْتَضْعِفُ طائِفَةً ـ أي بني إسرائيل ـ مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْناءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِساءَهُمْ إِنَّهُ كانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ). تقدم مثله في الآية ٤٩ من سورة البقرة ج ١ ص ٩٩ والآية ١٢٧ من سورة الأعراف ج ٣ ص ٣٨٢.
قال بعض المفسرين الجدد في ظلاله : «اضطهد فرعون بني إسرائيل لأن لهم عقيدة غير عقيدته ، فهم يدينون بدين جدهم ابراهيم ويعقوب ، ومهما وقع في عقيدتهم من الانحراف فقد بقي لها أصل الاعتقاد بإله واحد». ونحن نسأل هذا المفسر الجديد : من أين جاءك العلم ان اليهود كانوا في عهد فرعون على دين ابراهيم (ع) ، وأنه قد بقي لهم الاعتقاد بإله واحد؟ هل جاءك هذا العلم من قولهم : (يا مُوسَى اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ) ، أو من قولهم له : (أَرِنَا اللهَ جَهْرَةً) ، أو من عبادتهم العجل ، أو من قتلهم الأنبياء؟ وإذا كان فرعون قد اضطهدهم لأنهم على دين ابراهيم فلما ذا وصفهم نبيهم ومخلّصهم موسى بالفاسقين كما في الآية ٢٥ من سورة المائدة ؛ وبالسفهاء في الآية ١٥٥ ، وبالمبطلين في الآية ١٧٣ ، وبالجهل في الآية ١٣٨ من سورة الأعراف ، كما وصفهم الله سبحانه في العديد من آياته بالفساد وبكل جريمة ورذيلة؟.
لقد ذكر القرآن ان فرعون اضطهد بني إسرائيل ، وانه تعدى الحدود في