(اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ). ذكر ابن عريي هذه الآية الكريمة في الجزء الرابع من الفتوحات ، وقال : الشكر ان ترى النعمة من الله ، لا من سواه ، فقد أوحى سبحانه الى موسى : اشكرني حق الشكر.
فقال موسى : ومن يقدر على ذلك يا رب؟ فقال له : إذا رأيت النعمة مني فقد شكرتني.
(فَلَمَّا قَضَيْنا عَلَيْهِ الْمَوْتَ ما دَلَّهُمْ عَلى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ ما لَبِثُوا فِي الْعَذابِ الْمُهِينِ). ضمير عليه يعود الى سليمان ، ودابة الأرض هي الأرضة التي تأكل الخشب ، والمنسأة العصا ، والمعنى ان سليمان وافاه الأجل ، وهو متكئ على عصاه ، وانه بقي بعد الموت كذلك الى ما شاء الله ، وان الانس والجن كانوا ينظرون اليه ، ويحسبونه حيا ، الى ان دبت الأرضة في عصاه ، وأكلت جوفها ، فانكسرت وسقط سليمان ، وعلم الجميع بموته ، وظهر للانس ان الجن لا يعلمون الغيب ، لأنهم لو علموه ما لبثوا في أسر سليمان وخدمته ، وهو ميت.
وإذا كان بعض ما في هذه الآيات ممتنع الوقوع عادة فإنه جائز في نظر العقل ، ومن أجل هذا نصدقه ونسلم به كمؤمنين بمبدإ الوحي من الله الى نبيه الكريم. انظر ج ٢ ص ٦١ فقرة «الممتنع عقلا والممتنع عادة».
ولمناسبة ما جاء في هذه الآيات من ذكر الجن وخوارق العادات نشير الى كتاب صدر في هذه الأيام ، اسمه «نقد الفكر الديني» ـ نحن الآن في تشرين الثاني سنة ١٩٦٩ ـ وقد كثر الكلام حوله وحول صاحبه. ومن قرأ الكتاب يحكم ـ من النظرة الأولى ـ على مؤلفه بأنه يقف موقف الشك والريب من جميع الأديان ، وقد اعترف المؤلف بذلك صراحة في الصفحة ٢٩ و ٧٧ وغيرهما.
ولكن من يستقرئ الكتاب ويأخذ بالظاهر دون الباطن يرى ان الباعث الأول على هذا الشك والريب أمور :