ولمناسبة قوله تعالى عن الأرض : (وَبارَكَ فِيها وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها) نشير إلى الذين قالوا : ان السبب الأول لوجود الجوع في العالم هو تضخم سكان الأرض وتزايدهم يوما بعد يوم بينا أقوات الأرض وخيراتها لا تفي بحاجة السكان ، ولا تتناسب مع زيادة انتاج الأطفال ، ثم اختلف هؤلاء فيما بينهم على وجه الحل لهذه المشكلة ، فمن قائل : ان الحل هو حتمية الحروب الطاحنة ، وتقتيل الناس بالملايين حتى يحصل التوازن بين عدد السكان وانتاج الغذاء .. وقد روّج لهذا الرأي الذين يملكون الصناعة العسكرية ومعهم الذين يحتكرون موارد الأرض ومقدراتها ، ويكدسون الثروات على حساب الملايين وبؤسهم وشقائهم.
وقال آخرون : إذا لم تكن الحرب فلتكن الأمراض والأوبئة المهلكة ، وشاع رأي ثالث ، وهو تحديد النسل وتخطيطه. ولا ضرر في هذا الرأي فإن تحديد النسل حق طبيعي وشرعي لكل انسان ، شريطة أن يكون التحديد قبل وجود النسل ، بل وقبل استقرار النطفة في الرحم واستعدادها لتكوين الجنين ، أما الرأي القائل بضرورة انتشار الأوبئة فهو موبوء. وكفى القول الأول وهنا ان القائلين به هم تجار الحروب الاستعمارية ، وأصحاب الشركات الاحتكارية والسيطرة الاقتصادية على البلاد الفقيرة النامية.
ان السبب الأول لمشكلة الجوع يكمن في صراع قوى الشر على خيرات الأرض واحتكار مقدراتها ، وفي رفاهية الفئة القليلة على حساب شقاء الفئة الكثيرة ، وفي إحراق المحاصيل الزراعية للمحافظة على الغلاء وارتفاع الأسعار ، وفي إلقاء ألوف الأطنان من المواد الكيماوية السامة على القرى والمزارع في مناطق واسعة شاسعة بفيتنام وغيرها ، وفي توجيه العلم إلى الانتاج الحربي والصناعة العسكرية.
ولو اتجه العلم إلى الانتاج السلمي فقط لزادت خيرات الأرض عن حاجة أهلها وكانت الأرزاق كالتراب. فقد نشرت «مجلة اليونسكو» بحثا جاء فيه : ان تكاليف قذيفة كبيرة واحدة تكفي لبناء ٧٥ مستشفى ، بكل واحد منها مائة سرير بكامل المعدات ، أو شراء خمسين ألفا من الجرارات الزراعية التي يمكن أن تحرث ملايين الأفدنة بدلا من حرثها بمن عليها بقنابل الدمار .. وقد أنفقت الولايات المتحدة