(إِنَّ اللهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشاءُ وَما أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ). ان كلامه تعالى يؤثر ويعمل عمله في نفوس الذين يطلبون الحق لوجه الحق ، ويستمعون اليه رغبة في العمل به ، أما الذين لا يحركهم شيء إلا المصالح الخاصة ولا يعملون إلا بوحي منها فإنهم لا يستمعون إلى كلامه تعالى ، ولا هو ، جلت حكمته ، يلجئهم إلى الهداية وإلا بطل الثواب والعقاب. وتقدم مثله في الآية ٤٢ من سورة يونس ج ٤ ص ١٦٢ والآية ٨٠ من سورة النمل.
(إِنَّا أَرْسَلْناكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً). أرسل الله محمدا (ص) بالحجج الكافية الوافية داعيا إلى الحق ، وشاهدا على الخلق ، فبلّغ رسالات ربه على أكمل وجه ، وكان رحمة للعالمين بعامة ، وللعرب بخاصة حيث نقلهم من الجاهلية الجهلاء الى نور الإسلام وكرامته. وتقدم بنصبه الحرفي الآية ١١٩ من سورة البقرة ج ١ ص ١٩٠.
في القرآن الكريم آيات تدل صراحة على ان الله سبحانه أرسل لكل أمة رسولا ، منها هذه الآية : (وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيها نَذِيرٌ») ومنها : (فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ) ـ ٤١ النساء ج ٢ ص ٣٢٧ ، ومنها : (وَلَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً) ـ ٣٦ النحل ج ٤ ص ٥١٢ ، ومنها : (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ) ـ ٤٧ يونس ج ٤ ص ١٦٥. بالاضافة الى قوله تعالى : (فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ) ـ ٩٢ الحجر ، وقوله : (أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً) ـ ٣٦ القيامة ونحو ذلك.
وغير بعيد أن يكون المراد بالرسول والنذير والشهيد كل ما تقوم به الحجة ، وتقطع به المعذرة من نبي مرسل أو كتاب منزل أو مرشد مصلح أو حكم من أحكام العقل البديهية التي لا ينبغي ان يختلف فيها اثنان من ذوي العقول السليمة وفطرة الله التي فطر عليها الناس ، كقبح الظلم والخيانة ، وحسن العدل والأمانة ، وما إلى ذاك. ولا نعرف أمة من الأمم عاشت فوضى وبلا نظام ، تدع كل واحد من أفرادها وما يشاء لا تحاسبه على قول أو فعل.
وتسأل : ألا يتنافى قوله تعالى : (وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيها نَذِيرٌ) مع