(مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ). من عمل للآخرة فله أجر ما عمل ، ويزيده الله من فضله أضعافا ، ولا ينقص من دنياه شيئا ، وليس من شك ان الكد في سبيل العيش من عمل الآخرة أيضا ، ومن أعرض عن الآخرة وعمل للدنيا وحدها تمتع فيها أياما قلائل ، ثم يرتحل عنها الى عذاب مقيم .. وأسوأ حالا ومآلا من هذا الذين يتاجرون بالدين ، ويطلبون الدنيا بعمل الآخرة نفاقا ورياء. وتقدم مثله في الآية ١٤٥ من سورة آل عمران ج ٢ ص ١٧٢ والآية ١٨ من سورة الإسراء ج ٥ ص ٣٢.
(أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ ما لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللهُ). أم استفهام توبيخ وانكار ، والمراد بالشركاء هنا شياطين الانس والجن ، وشرعوا أي أغروا وزينوا ، والمعنى لما ذا يعمل المجرمون للدنيا ، وينسون الآخرة؟ ألأن لهم شياطين يصدونهم عنها ، ويوسوسون لهم بأشياء ما هي من دين الله في شيء؟ ثم هددهم سبحانه وتوعدهم بقوله : (وَلَوْ لا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ). لقد شاءت حكمته تعالى أن يؤخر عذاب المجرمين إلى يوم يبعثون ، ولولا ذلك لأخذ بنقمته كل معتد أثيم (وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) في الآخرة ، والقليل منه كثير بالنسبة إلى عذاب الدنيا.
(تَرَى الظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا وَهُوَ واقِعٌ بِهِمْ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فِي رَوْضاتِ الْجَنَّاتِ لَهُمْ ما يَشاؤُنَ عِنْدَ رَبِّهِمْ). تجري غدا عملية الإحصاء والفرز لجميع الأعمال ، فمن عمل صالحا فهو في أمن وجنان ، له فيها ما أحب وأراد (ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ) ومن عمل السيئات فهو في خوف من غضب الله وعذابه .. وهذا العذاب محيط به لا محالة جزاء لما كسبت يداه.
كنت من قبل في شك من حديثين ترددا كثيرا على سمعي ، أولهما هذا الحديث القدسي : يا عبدي أطعني تكن مثلي تقل للشيء كن فيكون. وثانيهما هذا الحديث