قرأت لكاتب يقول : «من الأسئلة التي لا جواب لها هذا السؤال : لما ذا خلق الله الإنسان؟». وما من شك ان كل واحد يتمنى لو عرف الجواب عن هذا السؤال لأنه يرتبط ارتباطا طبيعيا ومباشرا بوجوده وحقيقته ، ولا أخفي سرا كان في نفسي ، وهو اني قرأت أجوبة كثيرة عن هذا السؤال للفلاسفة وعلماء الكلام وغيرهم من القدامى والجدد ، ولكني لم اقتنع بشيء منها بيني وبين نفسي .. مع ان هذا السؤال قد وجه إليّ أكثر من مرة ، وأجبت عنه بما أجابوا لا لشيء إلا لأني لا أملك غير ما قالوا ، والا لأني أريد أن أجيب.
وحين باشرت بتفسير آي الذكر الحكيم نسيت السؤال وما كنت أحفظ من جوابهم لأن «التفسير الكاشف» أفقدني كل شيء حتى ذاكرتي ، ولم يدع لي إلا البصيرة التي أهتدي بها إلى معاني كتاب الله وأهدافه وربطها بواقع الحياة .. وما مضيت في التفسير إلا قليلا حتى وجدت الجواب في آيات الله واضحا لا يقبل الشك والتأويل .. ولا بدع فان خالق الشيء هو أعلم بما أراد من خلقه .. وجدت في كتاب الله آيات تدل دلالة واضحة على ان الإنسان خلق للآخرة لا للدنيا ، لحياة طيبة لا مشاكل فيها ولا تعقيد.
ولكن شاءت حكمة الخالق ان يربط بين الحياة الطيبة في الآخرة التي خلق الإنسان من أجلها ؛ وبين صدق الايمان بالحق والإخلاص له والعمل لحمايته ، كما قضت حكمته تعالى ان من لا يؤمن بهذا الارتباط ، أو يؤمن به نظريا ولا يعمل له ـ أن يحاسبه حسابا عسيرا ، ويعذبه عذابا أليما لأنه جهل أو تجاهل الغاية التي من أجلها وجد ، وتنكب عن الطريق السوي بسوء اختياره بعد أن أرشده الله اليه ، وأمره بسلوكه .. وبكلام آخر ان حياة الإنسان في واقعها باقية ببقاء خالقها ، وإنما وضعه تعالى في دار الدنيا مؤقتا والى حين ، ثم ينتقل به إلى دار القرار ، وأمره أن يعمل للدارين معا ، ويحتاط لما يمكن أن يقع له في الدار الأولى ، ولما هو واقع لا محالة في الدار الثانية ، فإن امتثل وأطاع فقد اختار لنفسه الأمن والفلاح تماما كمن سافر ، وهو مزوّد بما يحتاج اليه في سفره ، ومن أعرض