إلى القرآن بدليل قوله تعالى بلا فاصل : (وَإِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ) .. وقد ثبت بالتواتر ان كثيرا من النصارى وبعض اليهود آمنوا بمحمد (ص) لأن التوراة والإنجيل قد نصّتا على أوصافه قبل تحريفهما : (الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ) ـ ١٥٧ الأعراف ، وتقدم نظير هذه الآية في سورة البقرة الآية ١٢١ ج ١ ص ١٩٣ والآية ١٩٩ من سورة آل عمران ج ٢ ص ٢٣٦.
(وَإِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ قالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ). قرأ العلماء من أهل الكتاب أوصاف الرسول الأعظم (ص) والقرآن الكريم في التوراة والإنجيل ، قرأوا ذلك قبل أن يبعث محمد (ص) ، ولما بعث تلي عليهم القرآن فعرفوه وعرفوا محمدا بأوصافهما كما هي في الكتابين تماما كما عرفوا أبناءهم : (الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ) ـ ١٤٦ البقرة. فآمن فريق منهم ، وفريق كتموا الحق وهم يعلمون ، حرصا على المناصب والمكاسب.
(أُولئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ) : مرة على إخلاصهم في دينهم الذي أمرهم باتباع محمد والقرآن ، ومرة (بِما صَبَرُوا) على أذى السفهاء من الكافرين لأن إسلامهم كان حجة دامغة على من أصر على الكفر والعناد.
(وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ). لاقى المسلمون الأولون الكثير من الأذى والتنكيل حتى محمد (ص) كان إذا مر في الطريق يصيح به السفهاء : «مجنون .. كذاب .. ساحر» فصبروا وتحملوا في غير شكاة ، وقد عبّر سبحانه عن صبرهم بالحسنة ، وعن اساءة المشركين واذايتهم بالسيئة ، وفي هذا التعبير إيماء الى أن السلاح الوحيد للضعيف هو الصبر ، وان الجزع وانهيار الأعصاب ضرب من الجنون ، وان المقاومة بغير سلاح موت وانتحار .. فصبر الضعيف عقل وحكمة ، وشجاعة وبطولة ، على شريطة أن يسعى ويعمل جاهدا لازالة الضعف وأسبابه ، ومن تقاعس وتكاسل فقد هانت عليه نفسه ، ورضي لها الذل والهوان .. وبكلمة : ان الضعيف كالمريض ، عليه أن يسعى للشفاء ، ولا يصبر على الدواء الا بعد العجز واليأس.