مالك : لا نجاه مما أنتم فيه. هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون.
وتسأل : لقد وصفهم سبحانه في الآية السابقة بأنهم مبلسون أي آيسون حتى من تخفيف العذاب لحظة واحدة فضلا عن انقطاعه ، فكيف أخبر عنهم هنا انهم يطلبون الموت ليستريحوا من العذاب؟ ألا يدل هذا الطلب على الرجاء الذي يتنافى مع اليأس؟
الجواب : ان لأهل النار حالات يغلب عليهم اليأس في بعضها ، وتلوح لهم بارقة من أمل في بعضها الآخر .. هذا ، الى أنه من الجائز أن يكون نداؤهم مالكا لمجرد التعبير عن شدة ما بهم.
(لَقَدْ جِئْناكُمْ بِالْحَقِّ وَلكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كارِهُونَ). الذين يعرضون عن الحق على نوعين : الأول يعرض عنه لجهله به. والثاني يعرض عنه لأنه يصادم أهواءهم وأغراضهم. وهذا النوع من الناس هم الأكثرية الغالبية .. وكل من يدخل النار غدا يدخلها لأنه أعرض عن الحق ولم يعمل به ، ولكن القليل منهم استحق العذاب لأنه قصّر في طلب العلم بالحق ، والأكثر استحقوا العذاب لأنهم تركوا الحق لتصادمه مع أهوائهم ، لا لجهلهم به (أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً فَإِنَّا مُبْرِمُونَ). ضمير أبرموا يعود إلى المشركين ، والمعنى ما دبر المشركون كيدا للنبي إلا أبطل الله كيدهم ، كما فعل بقريش حين اجتمعت على اغتيال الرسول (ص) وهو نائم في فراشه (أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ بَلى وَرُسُلُنا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ). انهم يدبرون الكيد بالسر ، ويعتقدون ان ذلك يخفى عليه تعالى ، ولكنه يعلم السر وأخفى ، وهو لا يهدي كيد الخائنين.
(قُلْ إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ (٨١) سُبْحانَ رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (٨٢) فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (٨٣) وَهُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ وَفِي الْأَرْضِ