الوعي والانصاف. وتقدم مثله في الآية ٥٠ من سورة الأنعام و ١٦ من سورة الرعد و ١٩ من سورة فاطر (أَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيها) وهي تسوقنا للوقوف بين يدي قدير عليم ، تزاح عنده الأباطيل ، وتستحق الحقائق ، وتضمحل العلل (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ) بأنهم مبعوثون ليوم عظيم ، ومسؤولون عما كانوا يعملون.
(وَقالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ). قال بعض المفسرين : معناه اعبدوني أثبكم ، واستدل بأن القرآن يستعمل كلمة الدعاء في العبادة ، ومن ذلك قوله تعالى في الآية ١١٧ من سورة النساء : (إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِناثاً). ونحن مع هذا القائل في هذه الآية بالذات ، لأن السياق يرجح هذا المعنى على غيره حيث قال تعالى بلا فاصل : (إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ). فقوله : يستكبرون عن عبادتي بيان وتفسير لادعوني. ومهما يكن فإن الإسلام دين الأعمال لا دين الأقوال ، والله يرزق من جاهد وصبر : (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَناكِبِها وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ) ـ ١٥ الملك. وتكلمنا عن الدعاء مفصلا عند تفسير الآية ١٨٦ من سورة البقرة ج ١ ص ٢٨٦.
(اللهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهارَ مُبْصِراً إِنَّ اللهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ). مبصرا أي مضيئا تبصرون فيه. وتقدم مثله في الآية ٦٧ من سورة يونس ج ٤ ص ١٧٧ (ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ)؟ كيف تصرفون عن طاعة الله وعبادته ، وهو وحده الخالق الرازق؟ والقصد من قوله تعالى : (جَعَلَ لَكُمُ .. لَذُو فَضْلٍ) و (خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ) الخ؟ القصد ان يبين سبحانه ونعلم نحن بأنه الجامع لجميع صفات الجلال والكمال ، وان دلائل هذه الصفات ظاهرة لمقل العيون وقرائح العقول ، ولكن أكثر الناس في غفلة عنها وعما يراد بهم أيضا (كَذلِكَ يُؤْفَكُ الَّذِينَ كانُوا بِآياتِ اللهِ يَجْحَدُونَ) كل من غفل وذهل عن الدلائل الدالة على عظمة الله لا بد أن ينصرف عن طاعته وعبادته لأن الناس أعداء ما جهلوا.