١٤٨ من سورة الأنعام ج ٣ ص ٢٧٨ (ما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ). نسبوا شركهم وضلالهم إلى الله تعالى علوا كبيرا .. وجهلوا انه جل وعز أمر ونهى تكليفا وإرشادا ، وترك التنفيذ لارادة المكلف لتظهر أفعاله التي يستحق عليها الثواب والعقاب.
(أَمْ آتَيْناهُمْ كِتاباً مِنْ قَبْلِهِ فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ)؟ كلا ، لا دليل لهم من العقل ولا من النقل على ما يزعمون إلا هذا الدليل (بَلْ قالُوا إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُهْتَدُونَ). فتقليد الآباء هو ملجأهم الأول والأخير. وقد حكى الله سبحانه قولهم هذا في العديد من الآيات ، منها الآية ١٧٠ من سورة البقرة و ١٠٥ من سورة المائدة و ٥٣ من سورة الأنبياء و ٢١ من سورة لقمان وغيرها. وعقدنا فصلا خاصا للكلام عن التقليد وأقسامه في ج ١ ص ٢٥٩.
(وَكَذلِكَ ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قالَ مُتْرَفُوها إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ). هذا منطق الانتهازيين والنفعيين منذ وجدوا والى آخر يوم. أنظر ج ٤ ص ٤٠٥ فقرة «تفكير الطغاة» وج ٥ ص ٣٠ فقرة «المترفون» وص ٤٥٣ فقرة «منطق أرباب المال : بنك وعقار» (قالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آباءَكُمْ). ويومئ هذا إلى صحة التقليد إذا كان المقلّد على هدى من ربه ، وعلى فساد التقليد إذا كان المقلد ضالا مضلا.
(قالُوا إِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ). والذي نفهمه من قولهم هذا انهم يكفرون بالحق أينما كان ويكون حتى ولو كان مع الآباء ، وانهم لا يؤمنون بشيء إطلاقا إلا بمكاسبهم ومنافعهم ، أما التذرع بدين الآباء فهو لمجرد الخوف أن يظهروا للملإ على حقيقتهم ، وقد رأينا الكثير من الأبناء يسخرون من الآباء وتقاليدهم ، لا لشيء إلا لأنها تصطدم مع ميولهم ورغباتهم .. ولا جزاء لمن عاند الحق إلا القسوة والعنف (فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ) انها خزي وجحيم من غير شك.
(وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَراءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ (٢٦) إِلاَّ الَّذِي فَطَرَنِي