(إِنَّ قارُونَ كانَ مِنْ قَوْمِ مُوسى فَبَغى عَلَيْهِمْ وَآتَيْناهُ مِنَ الْكُنُوزِ ما إِنَّ مَفاتِحَهُ لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ). كان قارون من بني إسرائيل ، لأنه من قوم موسى ، وقيل : ابن عمه ، وهو واضع أسس الرأسمالية المستبدة أو ممثلها ، لأنه احتكر المال ، وتسلط على قومه مبررا ذلك بقوله : «انما أوتيته على علم عندي» وهذا هو المذهب الاقتصادي القائل : الفرد أولا والمجتمع ثانيا ، وأيضا تومئ اليه الآية التي نفسرها حيث جمعت بين البغي وكنز المال .. وأي بغي أعظم من أن تكون مقدرات الخلائق رهنا بمشيئة الأفراد أو الفئات؟ وقد حاول قوم قارون أن يردعوه عن البغي بالحسنى ، ويثيروا فيه روح الخير والصلاح.
(إِذْ قالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ). مالك تكثر فرحا بالمال وتغتر به ، وتتخذه وسيلة للبغي والعدوان ، والترف والإسراف ، وحولك الألوف يموتون جوعا؟ أتختال وتفاخر بقدرتك على المآثم والرذائل؟ ان الله لا يحب كلّ مختال فخور.
(وَابْتَغِ فِيما آتاكَ اللهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ). جد واجتهد واعمل لوجه الله في كل ما أعطاك من مال وصحة وعقل ، فان المرء مسؤول أمام الله عن جسمه فيم أبلاه ، وعن عمره فيم أفناه ، وعن ماله ممّ اكتسبه وفيم أنفقه.
(وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيا) لا تترك ما أنت في حاجه اليه لحياتك ومتعتك ، فكل ما شئت من الطيبات ، والبس ما أردت من فاخر الثياب ، واسكن ما أحببت من الدور ، ولكن على حساب جهدك وكدك ، لا على حساب الآخرين ، فإنك بهذا تجمع بين الحظين معا ، وتملك الزادين جميعا : زاد الدنيا وزاد الآخرة.
(وَأَحْسِنْ كَما أَحْسَنَ اللهُ إِلَيْكَ). اتق الله فيما أنعم به عليك ، واشكره على ذلك بالإحسان الى عباده وعياله ، وتعاون معهم على ما فيه خيرك وخيرهم.
(وَلا تَبْغِ الْفَسادَ فِي الْأَرْضِ) بالجور والخيانة ، والتكبر والتجبر ، والعيش في الإسراف والبذخ ، وحولك الجياع والعراة .. ان هذا هو الفساد بالذات (إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ) وأعد لهم عذابا أليما.