(وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنابَ). بعد أن أمر سبحانه بالشكر له وللوالدين أمر بطاعة الله في كل شيء ، لا في بر الوالدين فقط ، وعبّر عن ذلك بمتابعة الصالحين الذين أطاعوا الله في أوامره ونواهيه. قال الإمام زين العابدين (ع) : اللهم ألحقني بصالح من مضى ، واجعلني من صالح من بقي ، وخذ بي سبيل الصالحين (ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ). هذا تهديد ووعيد لمن يعصي الله والوالدين.
٣ ـ (يا بُنَيَّ إِنَّها إِنْ تَكُ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّماواتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللهُ إِنَّ اللهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ). عاد الكلام الى وصية لقمان لابنه .. وضمير انها يعود على الفعلة من الحسنات والسيئات ، ولفظ الفعلة وان لم يذكر في الكلام ، ولكن السياق يدل عليها و «مثقال حبة من خردل» كناية عن الفعلة الصغيرة ، و (فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّماواتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ) كناية عن السر والخفاء ، والمعنى الجملي ان الله سبحانه يعلم مقاصد الإنسان وأقواله وأفعاله ما خفي منها وما ظهر ، لا يغادر منها صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها وحاسب عليها .. والقصد من سياق هذا الكلام هو إنذار الضالين المضلين الذين يعيشون مع الناس بألسنتهم ، ومع أعداء الله والانسانية بقلوبهم ، وان يعلموا ان مصيرهم الى الخزي والوبال.
وتساءل بعض المفسرين وقال : كيف ذكر الله السموات والأرض بعد أن ذكر الصخرة مع العلم بأن الصخرة لا بد أن تكون في الأرض ، لا في السماء. وأجابه آخر بأن هذه الصخرة ليست في السماء ولا في الأرض ، وانما هي تحت سبع أرضين ، وبالضبط هي نفس الصخرة التي يقف الثور عليها وهو يحمل الأرض على قرنه ، وقال قائل : كلا ، ان هذه الصخرة قائمة في الهواء بمحض خلق الله تعالى. وقال ثالث : هي خضراء اللون. (انظر تفسير الطبري والرازي).
والقرآن الذي وصفه الله بالنور والهدى وفصل الخطاب منزه عن هذه التأويلات التي يتخذ العدو منها وسيلة للطعن والاستهزاء بالدين .. وان دلت هذه التفاسير وما اليها على شيء فإنما تدل على ان أصحابها لا يعرفون حكمة الله في إرسال رسله