وهو قوله سبحانه : (إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ) فصبرت وتمالكت (وَقالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ) اذهبي وتلمسي خبره ، فذهبت فرأت أخاها عند آل فرعون (فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ). نظرته نظرة جانبية كأنها لا تريده بالذات ، وآل فرعون لا يعلمون قصدها وانها أخت هذا الصبي الذي التقطوه من اليمّ.
(وَحَرَّمْنا عَلَيْهِ الْمَراضِعَ مِنْ قَبْلُ). استمع فرعون لامرأته وأبقى الصبي بعد أن ألقى الله محبته في قلبه ، وأمر بالبحث عن مرضعة تكفله وترعاه ، وسيقت اليه المراضع من هنا وهناك ، وكل واحدة تود لو يقبل ثديها لتنال المنزلة عند فرعون ، ولكنه عاف الجميع ونفر منهن قبل مجيء أمه (فَقالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ ناصِحُونَ). لما رأت أخت موسى حيرة آل فرعون في أمر الصبي عرضت عليهم أن ترشدهم الى من يقبل ثديها من دون النساء ، وتهتم بشأنه ، ولا تقصر في رعايته. وتقدم مثله في الآية ٤٠ من سورة طه (فَرَدَدْناهُ إِلى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَلا تَحْزَنَ) أيضا تقدم في الآية ٤٠ من سورة طه (وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌ). ضمير تعلم يعود إلى أم موسى ، والمراد بوعده تعالى قوله لها : (إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ) وليس لما وعد الله مترك (وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) لطائف تدبيره تعالى ، وغوامض حكمه.
(وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوى آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (١٤) وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِها فَوَجَدَ فِيها رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ هذا مِنْ شِيعَتِهِ وَهذا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسى فَقَضى عَلَيْهِ قالَ هذا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ (١٥) قالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ