يخلقون المعاذير للتهرب من عسكر رسول الله (ص) ، ويقولون له : ان بيوتنا منكشفة للصوص ، فأذن لنا بحمايتها ، فأكذبهم الله وكشف عن نفاقهم بقوله : (وَما هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِراراً) من الجهاد ونصرة الحق.
(وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطارِها ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآتَوْها وَما تَلَبَّثُوا بِها إِلَّا يَسِيراً). ضمير عليهم يعود إلى المنافقين ، وإلى أصحاب الايمان المستودع الذي لا قرار له ، وضمير أقطارها إلى المدينة ، والمراد بالفتنة هنا الارتداد عن الدين. والمعنى لو دخلت جيوش الشرك المدينة وأحاطت بها من كل جانب ، وقال المشركون للمنافقين ولمرضى القلوب : ارتدوا عن الإسلام وأعلنوا الشرك لاستجابوا على الفور من غير تردد ، أو ترددوا قليلا ، ثم استسلموا للقوة .. وبالبداهة ان المؤمن الحق لا يرتد عن عقيدته ، بل يقتل عليها ، وهو يعلم ان السعيد من سلم له دينه مهما كانت النتائج ، كما هو شأن شهداء العقيدة الذين لا يبالون بسيف الجلاد.
(وَلَقَدْ كانُوا عاهَدُوا اللهَ مِنْ قَبْلُ لا يُوَلُّونَ الْأَدْبارَ). تذرعوا بالأكاذيب للفرار من عسكر رسول الله (ص) بعد أن أعطوه العهود والمواثيق على أن يثبتوا في الجهاد بين يديه حتى الموت. وفي تفسير الطبري : «ان بني حارثة وبني سلمة همّوا بالفشل يوم أحد ، ثم عاهدوا الله على أن لا يعودوا لمثلها أبدا ، فذكّرهم الله الآن بهذا العهد الذي أعطوه من أنفسهم». أنظر تفسير قوله تعالى : (إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا) ـ ١٢٢ آل عمران ج ٢ ص ١٤٩ (وَكانَ عَهْدُ اللهِ مَسْؤُلاً) يوم القيامة عن الوفاء به : (فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفى بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً) ـ ١٠ الفتح.
(قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذاً لا تُمَتَّعُونَ إِلاَّ قَلِيلاً (١٦) قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللهِ إِنْ أَرادَ بِكُمْ سُوءاً أَوْ أَرادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ وَلِيًّا وَلا