فَادْعُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ). الخطاب للمؤمنين ، والمراد بالدعاء هنا العبادة ، وبالدين الطاعة ، والمعنى اعبدوا الله وحده ، وأطيعوه في أمره ونهيه ، ولا تأخذكم في ذلك لومة لائم ، وقد سهل سبحانه لعباده سبل طاعته ، حيث أرشدهم محذرا ، وكلفهم يسيرا ، وما ترك عذرا لمتعلل (رفيع الدرجات). هذا كناية عن علوه تعالى وعظمته ، وقيل : ان المراد بالدرجات هنا تفاوت العارفين بالله في معرفتهم به قوة وضعفا ، ابتداء من معرفة الرجل العادي الى معرفة الفلاسفة والأنبياء (ذو العرش) كناية عن الملك والاستيلاء.
(يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ). المراد بالروح هنا الوحي ، وبيوم التلاق يوم القيامة حيث يلتقي فيه كل انسان بجزاء عمله ، والمراد بإنذار هذا اليوم الانذار بعذابه ، وجاء التعبير بأنه هو المنذر للإشارة إلى شدة وقعه وهو له ، والمعنى ان الله سبحانه ينزل الوحي على من يشاء من عباده لينذر الناس بأنهم يحشرون بعد الموت في شر يوم على الطغاة العصاة ، ويسألون عما كانوا يعملون (يَوْمَ هُمْ بارِزُونَ) أي ظهروا لله على حقيقتهم (لا يَخْفى عَلَى اللهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ). هذا بيان وتفسير لقوله تعالى : (يَوْمَ هُمْ بارِزُونَ).
(لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ) يسألون يوم القيامة ، وهم بارزون لفصل القضاء : لمن الأمر والحكم؟ فيجيب سبحانه عنهم لأن الجواب متعين واقعا وحقيقة ، أو هم يجيبونه بلسان الحال والمقال : (لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ) فوق عباده (الْيَوْمَ تُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ لا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ) واضح. وتقدم مثله بالنص في الآية ٥١ من سورة ابراهيم ج ٤ ص ٤٦٠.
(وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَناجِرِ كاظِمِينَ ما لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطاعُ (١٨) يَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَما تُخْفِي الصُّدُورُ (١٩) وَاللهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ إِنَّ اللهَ هُوَ