الْإِنْسانَ فِي كَبَدٍ) ـ ٤ البلد أي في مكابدة مستمرة وشقاء دائم (فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ). قال صاحب «نقد الفكر الديني» في صفحة ٩٠ : «ان رفض السجود لآدم من إبليس ينسجم كل الانسجام مع مشيئة الله». وهذا القول من صاحب النقد ينسجم مع مذهب السنة القائلين : لا تلازم بين ما يأمر به الله وما يريد ، ولا بين ما ينهى عنه وما يكره ، فقد يأمر بما يكره ، وينهى عما يحب (المواقف ٨ : ١٧٦) واستدلوا على ذلك بأدلة منها ان الله أمر إبليس بالسجود لآدم مع انه تعالى لم يرد ذلك منه ولو أراده لسجد إبليس لأن الله فعال لما يريد .. ولا ينسجم قول صاحب النقد مع مذهب الشيعة الذين قالوا : ان لله إرادتين : ارادة الخلق والتكوين التي يعبر عنها سبحانه بقوله : «كن فيكون» وارادة الطلب والتشريع التي يعبر عنها بالأمر والنهي (انظر ج ١ ص ٧٢ فقرة التكوين والتشريع). والله سبحانه أراد السجود من آدم بإرادة الطلب والتشريع ، لا بإرادة التكوين والإيجاد.
(قالَ يا إِبْلِيسُ ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعالِينَ). والله سبحانه يعبر عن الأسباب الطبيعية بيده لأنها تنتهي اليه ، قال تعالى : (أَنَّا خَلَقْنا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينا أَنْعاماً) ـ ٧١ يس. والمعنى لما ذا امتنعت يا إبليس عن السجود لآدم؟ هل غلبت عليك شقوتك وأخذتك العزة بالإثم ، فاستكبرت ووضعت نفسك فوق قدرها ، أم لأنك في حقيقتك وواقعك أجلّ وأعظم من آدم؟ (قالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ). أجاب إبليس بالشق الثاني وانه في حقيقته وواقعه أجل وأعظم من آدم لأنه من نار ، وبها تدار المصانع ومنها الأسلحة الجهنمية أما آدم فهو «فلاح» لأنه من ماء وتراب .. ونسي الخبيث أو تناسى ان الماء أصل الحياة وان الحضارة فرع.
(قالَ فَاخْرُجْ مِنْها) الخ. وتقدمت قصة خلق آدم وسجود الملائكة وامتناع إبليس في سورة البقرة الآية ٣٠ ـ ٣٤ ج ١ ص ٧٩ ـ ٨٣ ، والآية ١١ ـ ١٨ من سورة الأعراف ج ٣ ص ٣٠٥ ـ ٣١٠ والآية ٢٦ ـ ٤٤ من سورة الحجر ج ٤ ص ٤٧٣ ـ ٤٧٩ والآية ٦١ ـ ٦٥ من سورة الإسراء ج ٥ ص ٦١ ـ ٦٣ والآية ٥٠ من سورة الكهف ج ٥ ص ١٣٦.
(قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَما أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ). ضمير عليه يعود الى