ثالثا : ان العلم النافع حسن بذاته في نظر العقل ، وحكم العقل لا يقبل التخصص والاستثناء ، أجل للعلم منازل ومراتب تقاس بما يترتب عليه من فوائد ومنافع ، والعلم بالله وشريعته أنفع العلوم دنيا وآخرة ، أما دنيا فلأنه يتجه بكل شيء إلى خير الناس ومصالحهم ، وأما في الآخرة فلأنه سبيل النجاة من غضب الله وعذابه ، ومن هنا أطلق المسلمون كلمة عالم بلا قيد على رجل العلم بالدين ، ومع القيد على غيره من أهل العلوم الدنيوية.
رابعا : اتفق فقهاء المسلمين قولا واحدا على ان كل علم لا يستغنى عنه في الحياة فهو فرض كفاية ، وفي الحديث : ما من مسلم يغرس غرسا أو يزرع زرعا فيأكل منه طير أو إنسان إلا كان له به صدقة. وفيه أيضا : اطلبوا العلم من مظانه أي من مصادره الدينية والدنيوية ، اطلبوا العلم ولو في الصين. وبداهة ان علم الدين يطلب من كتاب الله وسنة نبيه ، وليس من الصين ، إلى غير ذلك من الأحاديث.
(يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ) ممن يستحق العذاب (وَيَرْحَمُ مَنْ يَشاءُ) ممن يستحق الرحمة ، لأن الله عادل وحكيم يجزي كل نفس بما كسبت (وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ) ترجعون يوم القيامة للحساب والجزاء (وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ) ، أي ولا من في السماء بمعجزين ، وفي نهج البلاغة : لا يعجزه من طلب ، ولا يفوته من هرب (وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ) لا مرد لحكمه ، ولا ملجأ منه إلا اليه (وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللهِ وَلِقائِهِ أُولئِكَ يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي وَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ). اليأس من رحمة الله نتيجة حتمية للكفر به وباليوم الآخر ، وجزاء من يئس من رحمة الله وثوابه كفرا وجحودا هو أن يذوق عذاب الحريق.
(فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ فَأَنْجاهُ اللهُ مِنَ النَّارِ). عاد الحديث الى ابراهيم (ع) وسيرته مع قومه الذين حاولوا التخلص منه ومن دعوته بالقتل أو الإحراق .. وهذا هو منطق الجبابرة الطغاة في كل زمان ومكان .. تدمغهم الحجة الواضحة ، فترتعد منها فرائصهم ، ويخافون على مناصبهم ، ولا يملكون إلا الظلم والطغيان ، فيصدرون الأوامر : اسجنوا .. عذبوا .. صادروا