مشاكلها إذا كان مع البحث والنظر صبر وتصميم على بلوغ الهدف مهما كانت العقبات .. فبالصبر والايمان تقهر كل القوى ، فلقد صمم انسان هذا العصر أن يصل الى القمر ، فاجتهد وثابر حتى وطئ أرضه بأقدامه ، وغدا أو بعد غد يطأ المريخ وغيره من الكواكب .. اذن ، فليس هناك قوة لا يتغلب عليها الإنسان إلا قوة خالق الإنسان ، ومن هنا قيل : ما فوق الإنسان غير خالقه ، ولو سألني سائل : ما هو حد الإنسان؟ لقلت له : حده ان لا حد لطاقاته واستعداده ، والجهل والتقليد هو الذي يحول بين الإنسان وقابليته ، ويفصله عن نفسه وواقعه ، ومن أجل هذا حرم القرآن التقليد ، وأمر بالنظر واتباع العقل في جميع أحكامه ، وأطلق عليه كلمة النور والهدى والبرهان.
وتسأل : صحيح ان القرآن نهى عن التقليد ، وأمر بالبحث والنظر ، وأثنى على العلماء ، ولكن السياق أو السبب الموجب لنزول الآيات الواردة في هذا الباب يدل على ان العلماء الذين أثنى عليهم هم أهل العلم بالله وحلاله وحرامه ، وانه أمر بالنظر والتفكر في خلق الكائنات لينتهي الإنسان من ذلك الى الايمان بالله واليوم الآخر ، ويفوز بالجنة ونعيمها ، وينجو من النار وجحيمها : وأوضح مثال على ذلك قوله تعالى : (أَفَرَأَيْتُمْ ما تَحْرُثُونَ أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ لَوْ نَشاءُ لَجَعَلْناهُ حُطاماً فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ) ـ ٦٥ الواقعة أي تعجبون. وأي عاقل يقول : ان هذه الآية تحث على علم الزراعة؟ ومثلها بقية الآيات التي أمرت بالنظر والتفكر.
الجواب أولا : ان هناك آيات باركت وأثنت على كل ما ينفع الناس كقوله تعالى : (فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً وَأَمَّا ما يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ) ـ ١٧ الرعد. ولا شيء ينفع الناس كالعلم ، بل لا حياة بدونه في هذا العصر ، هذا بالاضافة الى عشرات الآيات التي حثت على الأعمال الصالحة ، واعتبرت أهلها خير البرية ، قال تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ) ـ ٧ البينة ، والعلم في طليعة الأعمال الصالحة.
ثانيا : صحيح ان السبب الموجب لنزول الآيات التي أمرت بالبحث والنظر أو أكثرها هو الرد على من كفر بالله واليوم الآخر ، ولكن سبب النزول لا يخصص عموم اللفظ.