الماهيّة ، على معنى ورود استعمال اللفظ على وجه إطلاق الكلّي على الفرد ، وحينئذ فالعمل بالمقيّد عمل بالمطلق أيضا مع بقاء المطلق على حقيقته ، فحصل الجمع بينهما من دون مجاز في المطلق ولا في المقيّد.
وأقوى ما يشهد بكون مراده ما ذكرناه قوله في الحاشية الاخرى : « بل ربّما كان مدلوله معيّنا في الواقع وإن لم يكن اللفظ مستعملا في التعيين بل هذا أكثر وأظهر في الأخبار » ومراده من هذا الاعتبار في الأخبار نظير ما في قوله تعالى : ( وَجاءَ مِنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ رَجُلٌ )(١).
فصار محصّل الفرق بين مذهب المحقّق السلطان ومذهب المشهور ـ مع اشتراكهما في القول بوجوب العمل بالمقيّد لكونه عملا بالمطلق أيضا ـ أنّ المطلق مع العمل بالمقيّد عند المشهور يحمل على المقيّد فيكون مجازا وعنده يبقى على حقيقته.
ويرد عليه : أنّه إن أراد بما ذكره من طريق الجمع إمكانه فلا كلام معه ، ومرجعه إلى أنّ التقييد في المطلقات لا يستلزم تجوّزا في اللفظ وهو الّذي حقّقناه في المقام الأوّل ، وإن أراد به ظهوره في متفاهم العرف فهو دعوى بعيدة لا ينبغي الإصغاء إليه ، لظهور المقيّد حيث قابله المطلق في كونه بيانا للمطلق كاشفا عن أنّ المراد منه المقيّد بقيد الخصوصيّة.
ثمّ إنّ في كلامه جملة من حزازات اخر يقف عليها المتدبّر مثل قوله : « ألا ترى أنّه معروض للقيد في المقيّد »وفيه : أنّ معروض القيد هو اللفظ الّذي لولا عروض القيد له كان مطلقا وإلاّ فهو بوصف معروضيّة للقيد مقيّد لا مطلق.
فدعوى كون معروض القيد مطلقا أو كون المطلق معروضا غريبة. ومثل قوله : « وإلاّ لزم حصول المقيّد بدون المطلق » وفيه : أنّه ممّا لا استحالة فيه بل هو الحقّ الّذي لا محيص عنه ، فإنّ المقيّد والمطلق متضادّان فكيف يمكن أن لا يحصل المقيّد بدون المطلق ، وإنّما المستحيل حصوله هو الماهيّة بدون الفرد.
وقد يتمسّك لحمل المطلق بأصل الشغل المقتضي للبراءة اليقينيّة الّتي لا تحصل إلاّ بالعمل بالمقيّد كما في القوانين (٢) تبعا للمصنّف والعلاّمة في النهاية قالوا : « لئن سلّمنا تساوي الاحتمالين فنقول : إنّ البراءة اليقينيّة لا تحصل إلاّ بالعمل بالمقيّد ».
واعترض عليه المحقّق السلطان في حاشية المعالم : « بأنّه بعد تسليم لزوم المجاز
__________________
(١) يس : ٢٠.
(٢) القوانين ١ : ٣٢٥.