لما عرفت من أنّ الشارع في الأمر بالكلّيّات لا يتعرّض الأفراد أصلا ولا ينشئ بالنسبة إليها حكما طلبيّا ولا إباحيّا ، بل هو جواز عقلي إرشادي وضعي مرادف للصحّة والإجزاء.
وحاصله : أنّ العقل بملاحظة أفراد الكلّي وعدم ترجيح بعضها على بعض يحكم بكفاية كلّ منها في امتثال الأمر بالماهيّة من جهة انطباقه عليها وموافقته لها ، ولا ريب أنّ الكفاية من جهة الانطباق لا ينافيه الحرمة.
فإن قلت : هذا كلّه منع للتنافي بين مدلول المقيّد ومقتضى المطلق ، و [ ذلك ] لا ينافي حمل المطلق على المقيّد في المختلفين لموجب آخر وهو فهم العرف لا حكم العقل المنوط بتنافي المدلولين على معنى انفهام كون المقيّد بيانا للمطلق ، ولذا صار بعض الأعلام في مسألة دلالة النهي عن العبادة على فساد المنهيّ عنه إلى الدلالة عرفا لا عقلا من جهة عدم التنافي.
قلت : هذا لا ينافي ما بيّنّاه من أنّ حمل المطلق على المقيّد في المختلفين مبنيّ على القول باقتضاء النهي فساد المنهيّ عنه بل يؤكّده ، فإنّ القائل بالفساد في مثل : « لا تعتق كافرة » وكذلك : « لا تصلّ في الدار المغصوبة » قبالا لقوله : « أعتق رقبة » و « صلّ » يحمل المطلق على المقيّد سواء كان الموجب للحمل عنده حكم العقل بملاحظة التنافي أو فهم العرف ، وقضيّة ذلك أن لا يقول منكر دلالة النهي على الفساد بالحمل هنا.
ومن ثمّ قد يتوهّم التدافع بين إطباقهم على حمل المطلق على المقيّد في المختلفين واختلافهم في دلالته على الفساد على أقوال ومثّلوا المحلّ النزاع بقوله : « صلّ » و « لا تصلّ في الدار المغصوبة » وبملاحظة اختلافهم في المعاملات أيضا كان « أعتق رقبة » و « لا تعتق كافرة » من محلّ النزاع ثمّة أيضا ، لأنّ العتق من قبيل المعاملة فكيف يجامع اختلافهم ثمّة في اقتضاء النهي الفساد وعدمه لاتّفاقهم على حمل المطلق على المقيّد هنا المبنيّ على اقتضائه الفساد.
وهذا الإشكال في الحقيقة يتوجّه إلى منكري اقتضاء النهي في العبادات والمعاملات لا إلى قائليه.
ويمكن الذبّ : بأنّ الحمل حكم كبروي مبنيّ على التنافي واختلافهم في مسألة النهي واقع في الصغرى ، وظاهر أنّ الاتّفاق على الكبرى وهو حمل المطلق من المختلفين على مقيّدهما لأجل التنافي لا ينافي الاختلاف في دلالة النهي في المقيّد على الفساد وعدمه تحقيقا للتنافي وعدمه.